على أن موجة الفتح العربي هذه التي ربطت بين الأجزاء الثلاثة سرعان ما تلتها موجات أخرى عربية كان لها أثر كبير في تدعيم هذه الوحدة الجنسية. ومع ما لإقليم فزان من وقع جانبي بالنسبة لموجات القبائل العربية في طريقها إلى الغرب إلا أن الملاحظ أن الدم العربي يسود القبائل الفزانية. ولا شك أن هذا الأثر لم يصل إلى فزان مباشرة إلا عن طريق طرابلس كبقية المؤثرات السابقة التي أتت من الشمال ومن أظهرها وصول المسيحية إلى فزان في العهد الروماني.
وكان من أهم الموجات العربية التي أثرت في لوبيا هجرة بني هلال وبني سليم وقد أراد بعض الكتاب أن يتخذوا من استيطان معظم قبائل بني سليم في برقة وغالبية بني هلال في طرابلس وتونس مدعاة لاثبات اختلاف التكوين الجنسي لكل من افقليمين؛ ولكن فاتهم أن هذه القبائل جميعها عربية وإن اختلفت في التسمية، ولهذا يستبعد اختلاف تأثيرها خصوصاً وأنها تتحد في الأصل القبلي، إذ المعروف أن بني سليم وبني هلال يتحدون في الأصل بانتمائهم إلى مضر من بادية نجد. ولو كان بنو سليم من عرب الشمال وبنو هلال من عرب الجنوب لكان من الممكن التماس لهذا الزعم ولكنهم جميعاً من أصل وموطن متحد.
على أن هذه الموجات العربية التي أتت من الشرق وربطت بين أجزاء البلاد ما تنعتها موجات أخرى أتت من الغرب وزادت في قوة هذه الرابطة الدموية فمن المعتقد أنه بعد اختفاء المجتمع الإغريقي الروماني بعد الفتح العربي كانت مدينة (برنيق) المعروفة الآن ببنغازي غير مسكونة حتى القرن الخامس عشر الميلادي عندما عادت الحياة إليها من جديد بواسطة المهاجرين من جماعات التجار من مدن الساحل الطرابلسي ومن بينهم أولئك الذين أتوا من مسراطة وقد زاد عددهم على مر الأيام حتى أصبحنا نرى أخيراً في مدينة بنغازي شوارع تحمل أسماء قرى معروفة في مدينة مسراطة فهذا شارع (جزير) وذلك شارع (قصر أحمد) وهكذا وكلها أسماء لقرى ما زالت عامرة بأهلها في مسراطة قد نزح بعض أفرادها إلى بنغازي واستوطنوا حتى أصبح المعروف بين البادية أن كلمة (مسراتي) معناها