ذلك الذي يسكن بنغازي. وربما تكون لغة الأرقام أكثر توضيحاً لارتباط عائلات مدن برقة بأصولها في مدن طرابلس إذا عرفنا أن قرية واحدة من قرى مسراتة متوسطة في عددها لها علاقات عائلية بستة وسبعين شخصاً من أفرادها المقيمين في برقة والذين يتولون بدورهم الإشراف على عائلاتهم الخاصة. وهذه درنة كذلك قد زاد عدد سكانها بإقامة التجار الآتين إليها من المدن الساحلية في طرابلس. وإذا عرفنا أن أهالي مدينة درنة ثانية مدن برقة أهمية ينقسمون إلى (تواجير) نسبة إلى تاجوراء وإلى (مسراته) نسبة إلى مسراته وإلى (ظليتنية) نسبة إلى ظليتن وإلى (قول اوغلية) نسبة إلى أبناء القرى الانكشارية أدركنا النسبة العالية التي ساهمت بها بعض مدن ساحل طرابلس في تكوين سكان درنة. وبهذا الشكل فيما يختص ببقية مدن برقة كتوكرة والمرح وطبرق وغيرها. وما زال هؤلاء النازحون على اتصال بأهلهم وذويهم في المدن الساحلية الطرابلسية والعكس بالعكس. ولنا أن نتصور مدى الصعوبة الاقتصادية والعلاقات العائلية التي يلاقيها سكان البلاد لو تحققت نظرية فصل الإقليمين عن بعضهما.
هذا من ناحية العلاقة البشرية أما إذا درسنا جغرافية البلاد الاقتصادية فإننا نلاحظ أن البلاد تصاب بأعوام الجفاف من سنة لأخرى فتتعرض للهلاك ولكن الملاحظ أيضاً أن سنوات الجفاف إذا حلت فهي في الغالب لا تشمل كل البلاد بشقيها فإذا قلت الأمصار في طرابلس كان مستواها فوق المتوسط أو متوسطاً في برقة والعكس بالعكس. وبمراجعة المجاعات التاريخية التي حدثت في البلاد ندر أن تكون قد عمت جميعاً وهذا مما يخفف من حدة الأزمة ويجعل البلاد تمر منها بسلام كما حدث في سنة ١٩٣٦ (المعروف بعام ينغازي عند الطرابلسيين) عندما بعث أهالي طرابلس بحيواناتهم إلى برقة، وكما حدث في سنة ١٩٤٦ عندما اعتمد أهالي طرابلس إلى حد كبير على شعير يرقة. وهذا أيضاً ما نلاحظه في هذه السنة فقد نشرت مجلة بطرابلس الغرب في عددها (١٢١) بتاريخ ٩ أبريل سنة ١٩٥٠ أن قبائل برقة التي على الحدود الغربية أخذت تنتقل بحيواناتها إلى طرابلس نظراً لسوء موسم الأمطار هذه السنة في برقة.
ونحن إذا درسنا الجغرافية الاقتصادية للأجزاء الثلاثة لوجدنا مثلاً فزان تعتمد إلى حد كبير على شعير طرابلس كما أن موانئ طرابلس هي المنفذ الطبيعي لإمداد أهالي فزان بما