يقول مؤلف هذا الكتاب المرحوم جورج أنطونيوس في مقدمته أنه (لا يرمي إلى تدوين التاريخ النهائي لليقظة العربية. . . بل إلى رسم الخطوط الكبرى لأصول تلك الحركة) هذه الحركة التي مهدت تربتها، وبذرت بذورها، ونبت نبتها، ونضج حبها، وتم حصدها في خلال نصف قرن، لا بأفاعيل طافرة، أو وثبات غير متزنات، بل بعزيمة جبارة، ومثابرة عنيدة، مستمدين من إرادة أمة موحدة لها في بطون التاريخ فصول كتابها أجداد عباقرة اسمعوا الدنيا نداءهم، ولقنوا العالم تعاليمهم، وما هؤلاء الأحفاد سوى جيل وبعض جيل من أبناء الشام أيقظتهم حركة الانقلاب العثماني عام ١٩٠٨ فاستنهضتهم فنهضوا إلى العمل فعملوا دائبين ملبين غريزة الجد في طبيعتهم، وقد دفعوا كل ثمن وبذلوا كل ما يستطاع بذله، وجادوا بأقصى غايات الجود، ونالوا نصيب المجاهد المؤمن، وفازوا بتحقيق أمانيهم واستقلال بلادهم وحريتها ولم يكن ما قربوه من أرواح وأموال في سبيل الوطن بالثمن الفادح الباهظ
تكاد تكون سطور هذا الكتاب بأبوابها وفصولها ووقائعه بأحداثها وتقلباتها وعظاته بمغامرتها وأهوالها. أقول: تكاد تكون وقائعي (أنا) بالذات، وما أوفر عدد من يقول (أنا) في كتاب يقظة العرب، إذ ما من فتى في بلاد الشام سمع نداء الحرية يهدر كالسيل العرم متدفقا من حناجر الآباء للاستقلال والحرية إلا تيقظ روحه لهما وتلفح وعيه بجوهرهما، وسار على منوال أبيه في اتباع أعمال الرجال الرصناء لنيلهما، وقد ناليهما بفضل إخلاصه لوطنه وقوميته وفنائه في أمته.