راقني ما دبجته براعة الأديب الحلبي الفاضل (المرتيني) نقداً لديوان (الينبوع) فقد استهله بمقدمة بديعة عن ماهية الفن، هي من صفوة ما كتب في هذا الموضوع، وهي وحدها كافية لاحترام بيانه وللصفح عن زلات نقده.
وكان أول ما أخذه على، إشارتي إلى أن الشاعر الألماني العظيم هنريش هيني جمع في شعره بين نفحات القديم وبين النزعة الرومانطيقية التي كان آخر شعرائها في قومه، وبين نزعة التحرر العصري التي ساعد على تكوينها، وقد أصبحت الصورة الغالبة على الشعر العصري في الغرب صورة الرومانطيقية الواقعة
أتعرف بماذا علق الأديب المرتيني على ملاحظاتي هذه؟ إنه لم يتعرض لها ولو بكلمة نقدية واحدة وإنما اتخذها تكأة ليقول هذا القول الغريب الذي لا صلة له بموضوعها إذ يعلن:(إننا لا نجاريه في قوله ولا نجاريه في استشهاده بالشاعر الألماني العظيم، فبينما يشرح ذلك الألماني النبيل عواطفه المتدفقة في نفسه أو يشرح نفسه الواسعة الفياضة بأنواع من النظم نرى الدكتور لا يرتفع في شعره عن أن ينظم في بعض مناسبات خاصة. وفرق كبير جداً بين هذا الشعر الذي يكاد يكون شعراً صحفياً وبين شعر هيني المختلف المتناسق الذي نرى اختلافه في أغراضه وسعتها، والذي نراه يتناسق في الصفات الأولى التي تتصف بها نفس ذلك الشاعر العبقري) وكل هذا لا شأن له بتعرضي لشعر هيني ولا محل له من النقد المتزن
إن ناقدي الفاضل يشير في مقدمته إلى أن الفن يرسم الشعور الإنساني في ظروفه العاطفية المختلفة، وهذه سطور مقدمته بين أيدي القراء ناطقة بذلك، فكيف يأتي بعد هذا مصغراً فينعت شعري بشعر المناسبات وبالشعر الصحفي؟ إن جميع الشعر يا مولانا في أصله شعر مناسبات وبواعث لأنه لا يفتعل افتعالا، وإنما سمينا الشعر السطحي الذي لا ينتظر له الخلود بشعر المناسبات من باب التجوز إشارة إلى أنه يعيش في حيز مناسبته الوقتية، ولأنه ليس بالشعر الإنساني العميق، وشتان بين التعبيرين. . . .
فهل صحيح أن شعري من هذا الضرب الأخير، لا لسبب إلا لأنه مناسبات بعضه عامة؟