للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في دنيا الشعراء]

من وحي العيد

للأستاذ عبد الموجود عبد الحافظ

من الناس فئة وهبها الله خيالاً خصباً وقادا، وعاطفة مشبوبة، وحسا مرهفا دقيقا، وشعورا فياضا رقيقاً، وهؤلاء هم الشعراء المطبوعون الذي مازهم الله عن غيرهم بالقدرة على رسم الصور وتصوير ما يجول بخاطرهم وما يعتمل في قرارة نفوسهم من مشاعر وأحاسيس، بخلاف الإنسان العادي الذي يحس الألم ويجد الحزن، ويشعر بالسرور ويتذوق اللذة، ولكنه يعجز عن التعبير عن شيء من ذلك.

بل إن الشاعر المطبوع يمتاز بالقدرة على النفاذ إلى أغوار النفس البشرية؛ وإلى قرارة ما في الكون من حقائق لا يستطيع إدراك أسرارها غيره ممن لم يوهبوا موهبته.

لذلك نراهم لا تمر بهم حادثة أو مناسبة إلا سجلوها في شعر يعبرون فيه عما لهذه أو تلك من أثر في نفوسهم، بل وفي نفوس الشعوب التي ينتسبون إليها.

ولما كان عيد الفطر من المناسبات الهامة، فقد اهتم به الشعراء منذ الإسلام، فاتخذوه وسيلة لإزجاء مدائحهم للخلفاء والأمراء وغيرهم ممن بيدهم السلطان، ولكنهم لم يهتموا بتصوير ما يعتلج في نفوسهم من خواطر، وما تجيش به عواطف شعوبهم وما يعتمل فيها من أحاسيس، بل كان همهم الأول التقرب من الممدوح للوصول إلى ما يريدون من إجزال العطاء وحلول المنزلة الأولى لديه.

فها هو ذا موكب الخليفة المتوكل قد انتظم في يوم عيد الفطر للخروج لصلاة العيد، فتأخذ البحتري الشاعر روعة المنظر وعظم المناسبة، فيقول مادحاً المتوكل، واصفاً الموكب في قصيدة عامرة بليغة تعد من غرر الشعر أو من عرائسه التي يفخر بها. فيقول:

بالبر صمت وأنت أفضل صائم ... وبسنة الله الرضيعة تفطر

فانعم يوم الفطر عيدا إنه ... يوم أغر من الزمان مشهر

أظهرت عز الملك فيه بجحفل ... لجب، يحاط الدين فيه وينصر

خلن الجبال تسير فيه وقد عدت ... عددا يسير بها العديد الأكثر

فالخيل تصهل، والفوارس تعدي ... والبيض تلمع، والأسنة تزهر

<<  <  ج:
ص:  >  >>