للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تعقيبات]

أم كلثوم ونهج البردة:

نهج البردة للمغفور له أحمد شوقي بك قصيدة معروفة مشهورة قالها في التوسل ومدح النبي صلوات الله عليه عندما قصد الخديوي عباس الثاني إلى الحج عام ١٩٠٩م، وعارض بها قصيدة البردة - أو البرءة - للشاعر شرف الدين محمد بن سعيد الأبوصيري، وقصيدة البردة هذه أشهر من كل تعريف، فما رزقت قصيدة في الأدب العربي ما رزقت من الذيوع في ألسنة الناس، حتى إنها في القرى لتعتبر نشيد الوداع الذي يردده (الفقهاء) في أذن الميت وهو في طريقه إلى القبر. .

أما قصيدة نهج البردة فلها قصة، فقد نظمها شوقي في مناسبة حج الخديوي كما قلنا؛ وكان يرجو أن تكون هذه المناسبة إلى جانب الاتجاه الديني في القصيدة مما يضمن لها الذيوع بين الناس كما ذاعت البردة، وطبع يوم ذاك شرح لتلك القصيدة قيل إنه من عمل المغفور له الشيخ سليم البشري - وهو في مقامه الديني ما هو - ليضفي عليها القداسة، ولكن أهل الخبرة يؤكدون أن ذلك الشرح كان من عمل نجله المرحوم الشيخ عبد العزيز البشري، وإن كان الشيخ عبد العزيز ظل ينفي هذه التهمة إلى آخر أيامه، عليه رحمة الله. .

ومهما يكن من شيء فإن نهج البردة لم تبلغ مبلغ البردة وغنتها كما سمع الناس، أقول غنتها والصحيح أن أقول إنها ألقتها، أو أنشدتها، لن أم كلثوم لم توفق في غناء القصيدة كما هو شرط الفن وشرط الغناء، وذلك يرجع إلى عدة أسباب:

أولاً: لأنهم اختاروا للمطربة ثلاثين بيتاً من القصيدة، ومهما يكن المطرب من قوة الحنجرة وبراعة الصناعة وحسن التصرف فإنه لا يستطيع أن ينهض بهذا المقدار في الغناء دفعة واحدة وخاصة في الشعر القوي الرصين.

ثانياً: لأنهم لم يراعوا في الاختيار درجة صوت أم كلثوم في مقاماته الفنية، ومن المعروف أن كل شعر لا يصلح لكل لحن، وأن كل لحن لا يلائم كل صوت. .

ثالثاً: جعلوا الغناء محدوداً بمدة من الزمن، ولهذا عمد الملحن إلى إخراجها دفعة واحدة، ولم يتمكن من خلق فترات موسيقية لاستراحة المطربة إلا مرة واحدة.

وعلى أي حال فإن الملحن لم يكن موفقاً، لأنه جرى على نغمة واحدة رتيبة، وهي النغمة

<<  <  ج:
ص:  >  >>