للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التي آثرها الموسيقار رياض السنباطي في تلحين قصيدة (سلوا قلبي) وقصيدة (السودان) ولهذا شعر الناس بأن أم كلثوم لم تأت بجديد في قصيدة نهج البردة، وقد سمعوها وكأنهم كانوا يسمعون شيئاً معاداً في آذانهم وأكثر من ذلك فإن اللحن كان يتخلى عن المعنى في كثير من الأحيان.

شيخنا الجارم:

وشيخنا علي الجارم بك لم يكن موفقاً في ذلك الشرح الذي قدم به الأبيات التي غنتها أم كلثوم إلى السامعين، فقد جرى في ذلك على ما ألف من الطريقة المدرسية وهي طريقة عقيمة لا تجدي في فهم الشعر وإظهار جماله، فقد عمد إلى شرح الكلمات اللغوية على ما هو وارد في القاموس، ثم أخذ يورد المعنى على مقتضى هذا التفسير، فهو مثلا يشرح قول شوقي:

لما رنا حدثتني النفس قائلة ... يا ويح جنبك بالسهم المصيب رمى

فيقول: رنا إليه: أطال النظر. . . الخ. . كلا. ثم كلا. فإن إطالة النظر هنا تهدم قوة البيت وتقلل من جماله. .

وعجيب من شيخنا الجارم أن يذكر معارضة البارودي للأبصيري، ويذكر مطلع تلك المعارضة، ولكنه لم يذكر بيتاً واحداً للأبصيري، وهو الأصل والأساس الذي قام عليه كل هذا البنيان.

ويقول شوقي:

يا رب هبت شعوب من منيتها ... واستيقظت أمم من رقدة العدم

رأى قضاؤك فينا رأى حكمته=أكرم بوجهك من قاض ومنتقم

وكان شوقي رحمه الله يشير بكلمة (منتقم) إلى معنى مقصود فقد قال قصيدته في أعقاب حادثة دنشواي التي أدمت قلوب المصريين، وكانت مصر في ذلك الوقت تسام الضيم والهوان من أساليب الاستعمار، وكان الخديوي في ضيق من هذا ما بعده ضيق، فتوسل شوقي إلى الله في (الانتقام) من هؤلاء الظالمين المستبدين، وجمجم بذلك ولم يستطع الإبانة نظراً لصلته الرسمية يوم ذاك بالقصر، فجاء الجارم بك بعد طول تلك السنين وجمجم كذلك في شرح هذا المعنى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>