ويلاحظ المتتبع لتاريخ القصة المصرية أن ثلاثة من كتابها الأفذاذ قد تنحوا عن الجهاد في سبيلها أو كدوا، وبقي واحد فرد يحاول ما يستطيعه الواحد الفرد. . فلقد أقبل هيكل على ميدان آخر يشحذ له قلمه وحسه، هو ميدان الصحافة والبحث العلمي والديني والسياسة، وانهمك أبو حديد في عمله التعليمي ودراساته التاريخية، وذهب تيمور مذاهب أخرى في الدراسة والأدب. . . ثم بقي المازني بعد ذلك يسير في طريقه سيراً هادئاً، ويخص القصة ببعض عنايته، بقدر ما تنحت أعماله الصحفية، وما أفسحت لفنه من مجال قصير.
ولقد كان هذا مما أوقف القصة المصرية العربية الناشئة موقفاً نشفق منه عليها، وما زالت في عهد الصبا تنشد الرعاية والعناية؛ ولكن فريقاً آخر من الشبان قد أقبل يمد لها يداً مباركة نرجو أن تدفعها إلى عهد الشباب قوية سريعة الخطوات.
ومن بين هذا الفريق ثلاثة نلمح فيهم استعداداً كثيراً، وفناً غزيراً، وهم: محمود البدوي، وشوكت التوني، وطاهر لاشين.
فمحمود البدوي، الذي عرفناه مترجماً للقصة الروسية القصيرة على صفحات الرسالة الغراء، قد آنس في نفسه قدرة على الكتابة ألهبت شغفه وشحذت عزيمته، فإذا هو يدفع إلى ميدان القصة كتابيه (الرحيل) و (رجل).
والذي يعرف البدوي في هدوئه وصمته، وبعده عن مجالات الأدباء والكتاب، قد يستولي عليه عجب، حين يرى اهتمام الكتاب بأمر كتابيه وتهافتهم على نقدهما وبحثهما. . ولكن الذي يعرف البدوي من ثنايا سطوره، لا يرى عناء كبيراً في أن يعرف الدافع الشريف الذي حمل هؤلاء الكتاب على العناية بفنه وأدبه.
وقد تتلمذ البدوي على المدرستين الروسية والإنجليزية، فكان مزاجاً منهما معاً، ثم أضاف إلى ذلك شخصيته التي استقل بها، فكان قصصياً موفقاً. وأميز صفاته أنه مخلص لفنه إخلاصاً شديداً حتى ليكاد يعجز عن أن يزاول سواه، لأنه استغرق كل تفكيره واستبد بجميع جهوده، وسيكون لنا منه من يسد فراغاً عزيزاً.