رأت الجمهورية الأسبانية وقد تحققت أطماع رجالها السياسية واستقرت حركتها الانقلابية الدستورية، أن تمجد الرجل الذي تقدم الصفوف ونفخ في بوق الثورة، فذهب ضحية مبادئه، بعيدا عن البلاد التي لبث نصف قرن ونيفا يخلص لها الحب، حتى كانت (إسبانيا) آخر كلمة لفظتها شفتاه، وهو يعاني الآم الموت في منفاه. فلم تجد أليق من أن تعبد رفاته إلى وطنه ليضمه ثرى (بلنسية) وهي البلدة التي انبثق من نواحيها فجر هذه العبقرية الفذة التي نتحدث عنها.
فمن أسابيع خلت، احتفلت الحكومة الأسبانية رسميا بنقل رفات الكاتب الشهير (بلاسكوايبانيز) من مدينة (منتون) بفرنسا، على ظهر بارجة حربية حملته إلى مسقط رأسه، وقد كان الاحتفال بوصول رفاته يوما مشهودا في تاريخ إسبانيا، ساهم الشعب فيه بإظهار عواطفه السامنة، نحو الرجل الذي لبث يجاهد ويناضل ويذكي في وطنه من حرارته وفتوته، لتظل فوهة البركان أبدا مشعلة وهاجة!
عاش ايبانيز طيلة حياته متمرداً ثائراً، لا يهدأ ولا يستقر ولا يعرف لبدنه عليه حق، كأنه موكل بتسخير قوى الطبيعة لخدمتة حتى قيل: إنه سحابة من نار.
طالع في فجر شبابه كل كل ما كتب عن الثورة الفرنسة، وكان يشبهها (بالهرة) عندما تجوعلا تلبث أن تأكل صغارها، ولكن الثورة لم تأكل صغارها، بل أكلت زعماءها: دانتون، ومارات وروبسبير. وكان مفتوناً بروسو وفولتير، يعجب بهما ويقول: هما اللذان مزقت أفكارهما وثائق العبودية، وبفضل مبادئهما اشتدت روح الثورة، غذاها الاول من ناحية القلب، والثاني من ناحية العقل.
ولد بلاسكو فيسنت ايبانيز في ٢٩ يناير سنة ١٨٧٦ بمدينة بلنسية، وهي حاضرة المقاطعة المسماة باسمها، وقد اشتهرت بكتدرائيتها الأثرية ومنها خرجت طائفة من اعظم فناني