وقع بين يدي أول أمس ملخص كتبته عام ١٩٣٧ عن مذكرات المريشال بيترو بادليو القائد الإيطالي عن حرب الحبشية. وضع القائد مذكراته في كتاب عقب دخوله مدينة أديس أبابا، وقدمه إلى الزعيم موسوليني، وكان هذا كافيا أن يثير رغبتي في الإطلاع عليه بعد أن قضيت الشهور في قراءة خطب موسوليني ومقالاته. ويعترف صاحب الكتاب بأن ما كتبه لا يعد تاريخاً رسمياً للحرب لأن هذا التاريخ يتطلب مجهوداً طويلاً وجمع معلومات متفرقة، ولا ينتظر الفراغ منه قبل سنوات عديدة. ولكن الكتاب مقتصر على مجرد سرد لحوادث القتال في إثيوبيا، كما كانت تبدو لبادليو القائد العام الإيطالي، وهو ينظر للحوادث من قمة عالية، فهو يعرضها بطريقة إجمالية عامة كما يراها بنظرته الشخصية كإنسان، فيشرح الحرب وأدوارها كما كان يراها في مركز قيادته، وهو لا يتأخر أن يكشف عما كان يجول بخاطره: من إقدام وتردد، ويعرض علينا بصراحة طريقة تفكيره، وتطور هذا التفكير ثم مسايرته للحوادث. وقال إن الفكرة الأولى التي أوجدها وألزم نفسه بها هي إحراز النصر على أي وجه يكون، فكانت هذه الفكرة راسخة لديه رسوخ العقيدة التي تسلطت على لبه، وكان يستمد منها دوافع العمل والتصميم والأخذ بالقرارات الحاسمة السريعة، فلم تفارقه هذه العقيدة في أشد الأوقات والأزمات، وانتهى بها إلى قيادة القوات التي وضعت تحت إمرته بالنصر والظفر إلى النهاية.
ويقول بادليو في كتابه:(لعل أعظم ما واجه المسئولين عن قيادة الحرب الحبشية، هو ضرورة الحصول على نصر سريع حاسم بأقصى سرعة ممكنة، لأن عامل الوقت كان يعمل ضد إيطاليا) وقد كتب موسوليني في مقدمة الكتاب ما يأتي: (إن غاية كل حرب هو إحراز النصر؛ أما الحرب الحبشية فكانت تستلزم فوق هذه النتيجة الحتمية أن يكون إحراز النصر كاملاً في غير إبطاء أي بسرعة فائقة).
والمتتبع لحرب فلسطين يتفق معي في أن إحراز النصر فيها، كان يستلزم السرعة الفائقة والوصول إلى احتلال أكبر مساحة في أقصر وقت ممكن، وهذا ما لم يلتفت إلى تحقيقه المسئولون عن حملة فلسطين.