نهضتنا الاقتصادية هي وحدها الدليل الناهض على نضوج شعبنا المظلوم. لأنها نَسقَ من الضرورة والقدرة على النظام والثقة قائم بذاته لا يقوم على الهوى، ولا ينتظم على الطيش، ولا يصبر على الفساد، ولا يتقدم على العجز، ولا يبلغ شيئاً وراء الزعامة الرخوة. فبينما نجد النهضة السياسية تنتكس فترجع إلى الموت، والحالة الأخلاقية تنحل فتعود إلى المهانة، والحركة الأدبية تضطرب فتنقلب إلى الفوضى، وحمية الشباب تنكسر فترتد إلى الفتور، نجد هذا الركن القوي الذي يقوم على بنك مصر وشركاته يثبت أصله في الأرض، ويسمو فروعه في السماء، ويمسك هذا الوطن المنكود في مهب الأزمات ومضطرب الكوارث. واطراد النجاح في هذا العمل الشعبي الخالص مبعثه إخلاص القادة، وثقة الأمة، وضمان من الله يسميه الدين إيمانا، والخلق ثباتاً، والعلم كفاية، ونسميه نحن: طلعت حرب.
إن هذا اللحن الذي يتألف من صريف الأموال المصرية في (البنك)، وهدير البواخر المصرية في البحر، وأزيز الطوائر المصرية في الجو، ودوي المصانع المصرية في (المحلة)، لهو النشيد القومي القوي الذي يعلن استقلال البلاد، ويملأ مسامع الأجانب، وينبه مطامع الشعوب إلى أن هنا أمة حية لها ماض تستهديه، ووطن تستغله، وغرض تسعى إليه؛ وأن هذا التوسع المطمئن الحازم في شركة مصر للغزل والنسج في الوقت الذي تُتَّهم فيه كفاية البلد، وتطير الشائعات السود في جو السياسة، تصحيح للإفهام الأجنبية التي تحاول استنتاج الحقيقة المصرية من أخطاء جماعة.
كان نجاح شركات (بنك مصر) نجاحاً حقيقياً طبيعياً يطَّرد اطراد الزمن من غير بطئ ولا طفرة. ولكن نجاح هذه الشركة - شركة مصر للغزل والنسج - وهي كأخواتها مصرية الرجال والأموال والعمال والمادة، جاوز حدود الظن، وفات معاقد الأمل؛ فقد أنشئت منذ ثلاث سنوات وعدد أنوالها ٤٤٨ نولاً فأصبح اليوم أربعة آلاف، وعدد مغازلها اثنا عشر ألف مغزل فبلغ هذا العام خمسين ألفاً، وعدد عمالها ستة آلاف فأصبح مع هذا التوسع ثمانية عشر ألفاً، وكانت مصانعها تنشأ بادئ الأمر على قدر الحاجة، فبسطها النجاح السريع، والفرص المواتية، والإدارة الرشيدة، حتى بلغت مساحة الأرض التي تقوم عليها اليوم مائة فدان؛ وكان عملها مقصوراً على غزل القطن المصري ونسجه، فصنعت الآن