رسَالة الشِّعر
البلبل
للأستاذ إيليا أبي ماضي
يا أيها الشادي المغرد في الضحى ... أهواك إن تنشد وإن لم تنشد
الفنْ فيك سجية لا صنعة ... والحب عندك كالطبيعة سرمدي
فإِذا سكت فأنت لحن طائر ... وإذا نطقت فأنت غير مقلد
لله درك شاعراً لا ينتهي ... من جيد إلا صبا للأجود
مَرَح الأزاهر في غنائك والشذا ... وطلاقة الغدران والفجر الندِي
وكأن زورك فيه ألف كمنجة ... وكأن صدرك فيه ألف مردد
كم زهرة في السفح خادرة المنى ... سكنت على يأسٍ سكون الجلمد
غنيتها فاستيقظت، وترنحت ... وتألقت كالكوكب المتوقد
وجرى الهوى فيها وشاع بشاشة ... من لم يحب فإِنه لم يولد
وكأنني بك حين تهتف قائلاً ... للزهر: إن الحسن غير مخلد
فاستنفدي في الحب أيام الصبا ... واسترشديه فهو أصدق مرشد
واِستشهدي فيه، فمن سخر القضا ... ألا تذوقيه. . . وأن تستشهدي!
يا فيلسوفاً قد تلاقى عنده ... طرب الخلي وحرقة المتوجد
رفع الربيع لك الأرائك في الربى ... وكسا حواشيها بُرُود زبرجد
أنت المليك له الضياء مقاصر ... وتعيش عيش الناسك المتزهد
مستوفزاً فوق الثرى، متنقلا ... في الدوح من غصن لغصن أملد
متزوداً من كل حسن لمحة ... شأن المحب الثائر المتمرد
وإذا ظفرت بنغمة وبقطرة ... فلقد ظفرت بروضة وبمورد
تشدو وتبهت حائراً، متردداً ... حتى كأنك حين تعطي، تجتدي
وتمد صوتك في الفضا متلهفاً ... في ذلة المسترحم المستنجد
فكأنما لك موطن ضيعته ... خلف الكواكب في الزمان الأبعد
طوردت عنه إلى الحضيض فلم تزل ... متلفتاً كالخائف المتشرد