كان الحر لافحا خانقاً عندما توقف شاب وفتاة وسط الساحة الكبيرة في (محطة الشرق) بباريس يطلقان حولهما نظرات قلقة حائرة. كان من السهل إدراك أنهما أجنبيان قدما إلى باريس من بعيد، وأنهما فلاحان كما تدل عليه ملابسهما. كانا بولنديين مهاجرين قدما إلى باريس ليبحثا عن عمل في فرنسا
كان الإعياء يبدو عليهما من أثر الرحلة الطويلة. وكانت الفتاة شاحبة اللون تحيط عينيها الوضاءتين هالات سود. ولكن نظرتها كانت تنم عن الاستسلام المطلق والثقة العمياء بالشاب القوي العريض المنكبين
ووضع الشاب الأمتعة التي كان يحملها كلها وحده. ثم أخرج ببطيء من جيبه الداخلي محفظة كبيرة من الجلد وجذب منها ورقة قدمها لأحد المارين الذي ألقى عليها نظرة عاجلة وقال (متروبورت دو كلينيا نكور) ولم يفهم الشاب الأجنبي وسار وراء المار ورفيقته وراءه يستوضحه فأجاب بنفس العبارة
وعرض الشاب نفس الورقة على شيخ قصير القامة يحمل منظارا. ولاحظ العجوز أن الشاب والفتاة أجنبيان يبدو عليهما الوجل والاضطراب فأشار إليهما بمتابعته ففعلا ونزلا وراءه السلم الذي يوصل إلى ممر طويل تحت الأرض كتب على مدخله عبارة (مترو) وبعد خطوات رأيا لافتة كتبت عليها عبارة (متروبورت دو كلينيا نكور)
واشترى العجوز تذكرتين وناولهما للشاب مبتسما وسار في سبيله. وتقدم (بوجدان) يحمل الأمتعة نحو الممر تتبعه (تيريز). لم يكن السير سهلا فقد كان يخرج من تحت الأرض هواء ساخن يخنقها، وكانت الممرات تتقاطع تملؤها الجموع الإنسانية الحاشدة. لذا كان يحدث من لحظة إلى أخرى أن يفصل بين بوجدان وتيريز بالرغم منهما بعض المارين المسرعين في طريقهم. وكان بوجدان يخترق الجموع بجسمه المارد كباخرة عاتية لا تعبأ بما يعترضها من الأمواج. أما تيريز فكانت تجري وراءه بقدر ما تستطيع. وعندما وصلا إلى نهاية السلم وجدا أمامها أفريزا تمتد تحته قضبان حديدية وسط ظلام دامس. ما أغرب