كان الفن القصصي في نهضة أدبنا الجديد أطيب ما أثمر وأينع في إنتاج الأدباء المحدثين؛ ولا ريب في أن القاص المصري المشهور محمود تيمور كان سباقاً لمغارس القصة ومجانيها، ولا يزال في طليعة أدبائها الذين توفروا على إنشائها وممارستها على ضوء القواعد التي اجمع على مراعاتها قادة الأدب وأهل الفن.
إن في قصص تيمور دنيا العالم الذي يعيش فيه، فقد سبر هذا الأديب أغوار الحياة ومعايش الصعاليك والشذاذ، وارتفع إلى قمة الحياة فعرف أهل السرف والترف وما يدور في دنياهم الطافرة من سعادة وشقاء. وإنك لترى في صنعه المتقن مدينة من القصص، فيها صور الصروح شامخة الهامات متلألئة الثريات، وفيها تماثيل الأكواخ مفروشة بهلاهل الحصير تترجح في ظلماتها سرج مختنقة الأضواء
ومن يقرأ تيمور في قصصه الحديثة يجدها متنوعة الألوان، محيطة بمعالم الإنسانية التي تحمل مياسم الشرقيين العرب، فلم تبق إقليمية محلية مقتصرة على طابع واحد، وإنما أخذ فن مؤلفها ينمو ويتطور ويتجه صوب النفس الإنسانية، غائصاً على أسرارها مستجلياً خفاياها. وإنك لتراه أيضاً يلقي النور في بعض أقاصيصه على كثير من مشاكل العصر ومعضلات المجتمع، وكأن آثاره المنوعة عاصمة من عواصم الفن، شيدها تيمور بك على ضفاف النيل، لم يسمع بها خوفو ولا حوتها طيبة. وإن من الكتب ما يبقى على وجه الزمان أكثر من المدن المشيدة بالحجارة والحديد. فليكن كلامي على آخر إنتاجه (مكتوب على الجبين) ففي هذا الكتاب اكتمل الفن واستقام الأسلوب
بدأ القاص كتابه بمقال حافل عن فن كتابة القصة أو كيف يعالج القاص كتابة قصة فنية؛ فبين في فاتحة كلمته أن الموهبة والقواعد أمران لا بد منهما للقصصي كالشاعرية وصحة النظم للشاعر. وهنا طفق يفيض في أصول القصة ومميزاتها التي تبصر القصصي وترشده إلى أسرار الإبداع، ثم عرض لأنواع هذا الفن وأسمائه من ناحية الأسلوب والموضوع، وما يدلان عليه في أدب الفرنجة، وانتهى إلى بسط العناصر التي إذا جرى عليها القاص برزت قصته ناطقة بالحياة منطبقة على أوضاعها وأطوارها، فجاءت هذه