وأعني به المعمل الحكومي الذي يقع في الزيتية قرب مدينة السويس، بجوار المعمل العظيم الضخم الذي (تمتلكه) الشركة الإنجليزية لحماً ودماً، والمعروفة بشركة (شل).!
زرت هذا المعمل الحكومي مع تلميذاتي، طالبات القسم الثانوي بمدرسة الإسماعيلية الثانوية الأميرية للبنات، وفي ذهني صورة مشرفة عنه، تعتز بها كوطني غيور، وأستاذ يحاول أن يشرب نفوس تلاميذه وتلميذاته حب الوطن، والاعتزاز بمرافقه الحيوية، ومقومات وجوده. .
أقول في ذهني صورة كونتها من المعلومات الكثيرة المتنوعة - في الواقع - التي تنشر في الصحف والمجلات والكتب المدرسية، التي في أيدي الطلاب والطالبات، والتي تصور هذا المعمل في إطار من الجلالة والكمال، والروعة والعظمة، ما تمتلئ له نفس المصري بالفخار والإجلال.
ومن العجيب المؤلم أنني فجعت في هذا الأمل. في هذه الصورة الجليلة العظيمة التي كونتها من الصحف والمجلات، والكتب المدرسية، لا من البحث والدرس والتنقيب. . ووقفت ذاهلاً حيران، حينما علمت الحقيقة المرة، التي تسيء إلى مصر والمصريين أجمعين، وتدل دلالة واضحة على غفلتنا وبلهنا، وتمكن العنصر الإنجليزي اللعين في البلاد، أو بعبارة أدق السلطان الإنجليزي، وتمكنه في مرافقنا الحيوية إلى حد كبير، حتى ليخيل إلى الآن، أن صراخنا وهتافنا بين الحين والحين، ومطالبتنا بالجلاء الناجز، ما هو إلا عبث أطفال عاجز، والطريق الوحيد إلى الحرية والاستقلال هو غير ما نفعل بلا مراء. . أنه أشبه بهتاف الأطفال والصغار كلما رأوا طائرة في الجواء، محلقة في الفضاء، ارتفعت أصواتها مدوية مجلجلة:(يا عزيز يا عزيز. . كبة تأخذ الإنجليز. .).!
والعزيز القهار الذي لا يغلبه شيء في الأرض ولا في السماء قادر على أن يأخذ الإنجليز، ولكنه لا يأخذهم إلا إذا حاولنا نحن أخذهم والقضاء عليهم، واتخذنا طريق الجد والسعي والعمل، لا طريق الهزل والنقاش والفرقة والجدل، ومهما كانت جهودنا ضعيفة ضئيلة، فإن