اقتصرت في مقالي السابق على إلقاء نظرة إجمالية على رواية (المال والبنون) لمصنفها الأديب فهيم حبشي، لأنها لا تستحق أكثر من ذلك، وما عدت إلى ذكرها ثانية إلا لأقول كلمة إجمالية في جميع الروايات الموضوعة وذلك بمناسبة رواية (الموءودة) التي بعث بها إليّ مؤلفها الفاضل يسألني رأيي فيها وقد وأدتها لجنة التحكيم في مباراة التأليف المسرحي.
يحسن بي قبل الإجابة أن أسأل:(ما هي الرواية؟)
يقول أعلام النقد أن الرواية تبسيط حادث خيالي؛ وأن حاجتنا إلى تبسيط الحادث الخيالي المفرغ في قالب رواية ضرورة لازمة، لأن حياتنا الاجتماعية تمضي في عالم فوضى لا ارتباط فيه ولا تناسب ولا انسجام، وأن الروائي البارع هو الذي يتخيل ويتمنى ويعمل على إخضاع عالمنا لشرائع العقل ويجعله منظماً نفهمه بحسِّنا لا بقوته الخفية المظلمة ولا بكائناته المشوشة المختلطة.
فالرواية كما ترى نجدة نستنجد بها لتمكننا من مقاسمة الانفعالات الاجتماعية دون أن تجعلنا نتعرض لعواقب هذه الانفعالات، وخيال الروائي الذي استنبط حادثة ما (سواء كانت ذاتية أو موضوعية) إنما هي تصور حالة في نفسي أنا، أو في نفسك أنت واقعة فعلاً، أو هي محتملة الوقوع، استعان بها على إبراز خياله بخلق أشخاص مدركين يقدرون تقديراً قياسياً ويَعوْن وعياً نفسياً اضطرابات الإنسان وقلقه وخلجات عواطفه وضوابط نفسه وأحكام عقله.
ولأجل أن يكون الحادث الخيالي الذي ابتكره ذهن الروائي البارع كاملاً، وتكون الرواية تامة لابد لها من عنصرين عنصر الحياة ببساطتها، وعنصر القدرة على تبسيط البسيط من صور الحياة. ولا محيص لها أيضاً من الاعتماد على عنصر ثالث يقوم عليه البناء العقلي وفق النظام وفي حيز الطبيعة البسيطة وصورها وألوانها.
هذه الرواية هي التي تعيدنا إلى ذواتنا فتجعلنا نسمع ونرى فيها هواتف الضمير، وهمهمات الانفعالات، والصور الكامنة في النفس مجلوة واضحة مسوقة على ألسنة ممثلين وممثلات