كان النقد في القرنين السابع عشر والثامن عشر قائماً على تلخيص أعمال الكتاب وإيراد مقتطفات من كتاباتهم مصحوبة ببعض تعليقات عليها. وكانت هذه التعليقات على تفاهتها وقلة اهتمام النقاد بإيرادها تمثل الفوضى المطلقة. فكان كل ناقد ينظر إلى الكتاب المنقود بمنظار فكره الخاص. فإذا اتفق تفكير الكاتب وتفكير الناقد كان الكتاب ناجحاً في نظر الناقد فيهلل له تهليلاً. وإذا خالفه كان سقوط الكتاب هو المصير الأكيد! كان النقد إذن نظرياً فلم تكن له قواعد يتبعها الناقد في نقده. ولم تكن هناك شروط معينة من المفروض توفرها فيمن يتصدرون لنقد أعمال كبار الكتاب والأدباء، لذا كان ينزل إلى ميدانه كل من ظن في نفسه القدرة على مسك القلم وتسويد بضعة سطور على القرطاس. واستمر الحال هكذا حتى صاح (جرم) قائلاً (إن الأعمال الأدبية العظيمة لا ينبغي أن تدرس بالاطلاع على ملخصاتها بل يجب أن تقرأ جيداً. أما الأعمال الأدبية التافهة فلا تستحق إلا الإهمال المطلق، إن النقد الصادق هو الدراسة والإصلاح. والناقد يجب أن يفهم المؤلف حق الفهم. ويتغلغل إلى أعماق تفكيره لا أن يخضع لفكرة الخاص).
على هذا الأساس نشأت بذرة فن النقد الحديث في أوائل القرن التاسع عشر. وكانت أول مظاهره نشوء ما سمي بالنقد التأريخي والفكرة في ذلك أن العمل الأدبي خاضع بالضرورة للحالة الاجتماعية في العصر الذي كتب فيه. فلكي نحكم على الكتاب حكما عادلاً وجب أن نقيم وزناً للظروف التي عاصرته. . . تلك كانت وجهة النظر الجديدة وكان أول من عمل على تطبيقها الأستاذ فليمان فكان النقد في نظره صورة من تأريخ، وقد اتبع طريقته في النقد عند كتابته عن الأدب الفرنسي والآداب الأوروبية كالأدب الإنجليزي والإيطالي والإسباني.
ومن أوائل المجددين في النقد سان مارك (١٨٠١ - ١٨٧٣) وقد اشتهر بمحاضراته في السوربون وبكتابه الذي قال عنه معاصره الناقد المجدد (انه كتاب أدبي ولكنه يسمو