للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[بين الأستاذين]

أحمد أمين وزكي مبارك

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

لما قرأت المقالة الأولى للأستاذ أحمد أمين في جناية الأدب الجاهلي على الأدب العربي كان ذلك بحضرة الأستاذ الزيات صاحب مجلة الرسالة الغراء، فذكرت له أن الأستاذ أحمد أمين يرى في هذا ما سبقته إليه في كتابي (زعامة الشعر الجاهلي بين امرئ القيس وعدي بن زيد) وأخذت عليه أن يجعل الزهديات من أدب المعدة لا من أدب الروح، مع أنها أحق من غيرها بأن تكون من ذلك الأدب الذي ارتضاه، لأن اتجاه الزهاد إلى الروح من الأمور التي لا يجهلها أحد، وكل زهدياتهم تتجه نحو هذا الاتجاه، فلا يمكن مع هذا أن تكون من أدب المعدة.

وقد أنكر ذلك الرأي على الأستاذ أحمد أمين كما أنكر على قلبه، وكان ممن أنكره عليه الأستاذ زكي مبارك في مقالاته التي نشرتها له مجلة الرسالة، وقد سبق للأستاذ زكي مبارك أن أنكر علي أيضاً ذلك الرأي في نقده لكتابي (زعامة الشعر الجاهلي) بجريدة الأهرام، وكان مما ذكره في ذلك أنه لا يمكن القول بأن زهديات أبي العتاهية أبلغ في الشاعرية من خمريات أبي نواس، فرددت عليه بأن أبا نواس نفسه يشهد بتقديم أبي العتاهية في هذا عليه، وذكرت له ما رواه صاحب الأغاني عن هارون بن سعدان أنه قال: كنت جالساً مع أبي نواس في بعض طرق بغداد، وجعل الناس يمرون به وهو ممدود الرجل بين بني هاشم وفتيانهم، والقواد وأبنائهم، ووجوه أهل بغداد، فكل يسلم عليه فلا يقوم إلى أحد منهم، ولا يقبض رجله إليه، إذ أقبل شيخ على حمار بريسي، وعليه ثوبان دبيقيان: قميص ورداء قد تقنع به ورده على أذنيه، فوثب إليه أبو نواس، وأمسك الشيخ عليه حماره واعتنقا وجعل أبو نواس يحادثه وهو قائم على رجليه فمكثا بذلك ملياً، حتى رأيت أبا نواس يرفع إحدى رجليه ويضعها على الأخرى مستريحاً من إعياء، ثم أنصرف الشيخ وأقبل أبو نواس فجلس في مكانه، فقال له بعض من بالحضرة: من هذا الشيخ الذي رأيتك تعظمه هذا الإعظام وتجله هذا الإجلال؟ فقال: هذا إسماعيل بن القاسم أبو العتاهية فقال له: لما أجللته هذا الإجلال؟ وساعة منك عند الناس أكثر منه، قال: ويحك لا تقل، فوالله ما رأيته قط إلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>