فجع الشعر في علم من أعلامه الذين حفظوا وجوده وأقاموا عموده ومهدوا له السبيل إلى هذه النهضة: ذلك هو المغفور له الأستاذ احمد محرم. قُبض إلى رحمة الله في الأسبوع الماضي على الفراش الذي ينسجه القدر للأدباء الأحرار من الفاقة والمرض والوحشة، بعد أن ظل اسمه لامعاً في سماء الأدب العربي قرابة نصف قرن. والناظر في تاريخ الشعر الحديث يراه في الرعيل الأول من شعراء الإحياء الذين خلفوا البارودي على إرث الشعر فحددوا باليه وأنعشوا ذاويه، ثم تخطفتهم المنايا واحداً بعد واحد فلم يبق منهم غير مطران والكاشف!
كان احمد محرم من الشعراء المطبوعين على الديباجة المشرقة والقافية المحكمة؛ وكان يطيل في غير سقط، ويبالغ في غير شطط، ويتأنق في غير تكلف. وربما كان أقل معاصريه وقوعاً على المعنى الطريف والفكرة العميقة؛ ولكنه كان من أكثرهم احتفالاً بحسن الصياغة ولطف التخيل. وقد قام في أعقاب عمره بنظم (الإلياذة الإسلامية) وهو عمل يكفي وحده لتمجيده وتخليده.
هذه كلمة ينعى بها الفقيد الكريم ولا نزعم أننا نرثيه؛ فإن الرثاء يقتضي العلم بحياة المرثي وصفاته ومقوماته وملابساته، ومعرفتنا بالشاعر الراحل لم تتعد المعرفة الفنية لشعره. لذلك نتقدم إلى إخوانه الذين خالطوه ولابسوه - وفي مقدمتهم الأديب الوفي للأدب، والصديق المخلص للأصدقاء، الأستاذ كامل كيلاني - أن يكتبوا للتاريخ ترجمة حياته وتبث مؤلفاته؛ فإن ذلك غاية ما يطلبه الأديب من الحقوق، في دنيا لم ينل منها ومن بنيها غير العقوق!
أين شعراؤنا؟
تحت هذا العنوان كتب الأستاذ علي محمد حسن كلمة أخذ فيها على الشعراء تقصيرهم إزاء شقيقتنا سوريا. والأستاذ مشكور على غيرته وحماسته وخاصة فيما يتعلق ببكاء شعرائنا المتفرنسين (باريس) بكاء الثكالى الوالهات! ولو قد سقطت الإسكندرية تحت سنابك حصان موسليني الأبيض كما كان يرجو ما ذرفوا عليها دمعة واحدة!
وأحب أن أذكر بهذه المناسبة أني قد قلت شيئاً في حوادث لبنان سنة ١٩٤٢ عندما أمعن