من الموضوعات التي لابد أن تمر بنا جميعاً - الموازنة بين الوراثة والبيئة. هذا الموضوع بمثابة المطية الذلول التي لا يتحرج أضعف الناس وأصغرهم من أن يمتطيها. ثم يخيل إليه الوهم أنه أضحى فارساً من كبار الفرسان! ولقد طالما نشاهد صغار الناشئين وقد جلسوا على المنابر. ووقف هذا لينتصر للوراثة ويراها كل شيء. وذلك لينتصر للبيئة ويدعى لها كل شيء، وقد لا يكون للمتكلمين بعد إلمام صحيح بعنى الوراثة او البيئة.
ولا بأس بهذه الأشياء، ما دام يراد بها العبث البريء، وتمرين الطلاب على الحوار. ولكن كلام الاحداث فيما يجهلونه قد يغدو ويا للاسف - عادة تلازمهم مدى الحياة. وقل أن يوجد بين الموضوعات ما يتطلب الدقة في الفهم، والتأني في الحكم كموضوع الوراثة اوالبيئة.
فأما الوراثة فيراد بها ما يرثه الناس عن آبائهم وأجدادهم من الصفات التي اختصت بها سلالتهم التي ينتمون اليها. فتأثير الوراثة هو تأثير الجنس والسلالة والقائلون بالوراثة يزعمون ان هذا الشعب راق لانه من جنس راق، والآخر منحط لان جنسه منحط. وأما البيئة فهي ما ينشأ بينه الانسان من أرض وسماء، وهواء وماء، وجبال وأنهار، وصحارى وبحار وما اليها. ولهذه في نظر القائلين بالبيئة الاثر الاكبر في رفع قوم وخفض قوم، واعزاز شعب واذلال آخر.
ولقد حاولت في كلمة سابقة ان أضرب بعض أمثلة للضلال الذي يخبط فيه كثير من الناس حين يتكلمون عن الاجناس في غير تدبر ولا حذر. وهممت ان أكتب كلمة ثانية لأضرب أمثلة أخرى للضلال الذي يخبط فيه الناس حين يتكلمون عن تأثير البيئة ثم جاءت كلمة الاستاذ حسن جلال فحفزتني إلى المضي في هذا السبيل ان في شرائع كثيرة من الدول ما يضمن مجازاة من يمارس الطب إذا لم يكن من أهل الطب، ولكن ليس في الشرائع - وياللاسف - ما يكفل معاقبة من يمارس التاريخ وليست له دراية بالتاريخ، أو يمارس الجغرافيا وليس له كبير المام بالجغرافيا، وهكذا الحال في كثير من فروع العلم. فاستطاع ان يقتحم هذه الميادين من ليست لديه العدة اللازمة لها وهكذا رأينا اناساً يحكمون بين