الدمعة التي مستها الراحة جفّت، والنازلة إن شورك فيها خفّت، والطود الذي عظم، ينقص لو قسم؛ وكلنا هدف لنوَب الزمان، لم يأخذ أحد لنفسه الأمان!
نشرب الكأس حَلوة مَرة، ومَرة مُرة. ومن وجدته في الضيق، فذلك هو الصديق، وذلك هو الكنز الثمين، والساعد اليمين. . .!
الصديق الذي يواسيك، في مآسيك، ويؤثرك على ذاته، ويقيك بحياته. فإن ظفرت بذلك، ولا أخالُك، فاهدم حجة من قال: وجود الوفي محال!
وعندي لا صديق غير هذا الطراز، إلا على سبيل المجاز. فاصحب الصديق المجازيَّ على عيبه وداره، وعالجه بإقالة عثاره. وقدر الفضل لأهله وإن قل، ولا تجحد البعض إن لم تنل الكل. وأحسن الظن بالصريح البريء، وتغاض كرماً عن عيب المسيء؛ فالصاحب إن نقدته فقدته، والعيب إن تفقدته وجدته!
أدعو إلى الصداقة ولا أنهى، وإن كنت طعينا منها! صاحبت أخداناً وخلاناً، وخصصت بالثقة فلاناً، وتوالى الجديدان، وطال الزمان، وزعمت أني ظفرت من دنياي، بما لم يظفر به سواي، وفاخرت بصديقي الصحاب، وجعلته حديثي المستطاب. وكل همي إقامة البرهان، على أنه صفوة الإخوان، وأنه الذي لا يتغير عند انتياب الصروف، ولا يتنكر بتنكر الظروف؛ فإن قيل لا وفيّ قلت كلا، هذا هو المستثنى بالا. ولكنه برغم أنفي أعرب، بحجة تقطع شك المريب، على أنه اسم معرب، يتغير بتغير التراكيب!