للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

١ - أنطوان الجميل باشا:

رزئت الصحافة العربية هذا الأسبوع في ركن من أركانها، وخسر الأدب علما من أعلامه، وهو المغفور له الأستاذ أنطوان الجميل باشا. فكانت الفجيعة بفقده قاسية أليمة على ابنا العروبة عامة، وعلى رجال الصحافة والأدب خاصة.

ولقد زاد في هول الفجيعة به رحمه الله أن قضى بموت الفجاءة وهو في ميدان العمل يناضل ويجاهد في أداء واجبه، حتى لقد خرجت (الأهرام) إلى أيدي قرائها وفيها أثار قلمه وتوجيهه، ولكنها لم تدرك نعيه، لأنه كان قد أتم عمله فيها، وانصرف إلى داره متمتعا بالعافية التامة، وفي الصباح الباكر ليوم الثلاثاء الماضي وافته المنية ولم يشعر بثر من مقدماتها إلا بضيق خفيف في التنفس، ثم كان السكون الأيدي، وهكذا نفض الرجل يده من الحياة في رفق وسهولة وهدوء، وقد كانت هذه هي اظهر خلاله في الحياة ودستوره في العمل وفي صلاته بالناس.

لقد أمضى أنطوان باشا في الحياة نيفا وستين عاما، أو قل على التحديد ثلاثة وستين عاما، ولكنه لم يأخذ من هذا العمر الطويل لنفسه وشخصيته شيئاً يذكر إلى جانب ما بذل في سبيل المصلحة العامة، وانفق للخير والإنسانية وضحى لخدمة الشرق العربي والوطن جميعه، وإنه ليخرج من الدنيا وليس من ورائه زوج تندبه أو ولد يبكيه ولكنه لا شك قد ترك من ورائه مئات من الإخوان والتلاميذ الذي أضفى عليهم من روحه وطبعهم بطابعه، وألوف بل ملايين من أبناء العروبة عاش ينشد لهم المجد والسعادة على مدى الأيام فهو في نفوسهم ذكرى باقية وأثر خالد على كر السنين والأعوام.

وفد أنطوان باشا وهو شاب في ريعان العمر من لبنان على مصر، ولقد خرج من وطنه الأول تبرما بالجبروت السياسي الذي كان مسلطاً على الأحرار في تلك البلاد، وجاء إلى مصر وطنه الثاني لعله يتنسم نسيم الحرية، وكان أديباً موهوبا، فحمل القلم ونزل إلى الميدان، فاصدر مجلة (الزهور) لتكون حلقة اتصال بين أدباء العروبة في جميع الأقطار والأمصار، وما هي إلا جولة حتى برز إلى الطليعة وظهر في الرعيل الأول وظل يصدر مجلته أربع سنوات ثم كان أن قامت الحرب العالمية الأولى، وكان من قيودها ما حمله على

<<  <  ج:
ص:  >  >>