للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الشاعر العاصي. . .]

للأستاذ محمد محمود زيتون

ولد أحمد العاصي - رحمه الله وغفر له - بفارسكور في صيف سنة ١٩٠٣. وكان أبوه من كبار التجار فيها، وماتت أمه، ولم يتجاوز السادسة من عمره. وقد بدت على الغلام بشائر النبوغ، فعني به أبوه، حتى ألحقه بكلية الطب، وما زال يحصل دروسه حتى انتابته حالة عصبية، وهو في السنة الثالثة، فقضي بلبنان ثلاثة أشهر عاد بعدها خفيفاً من بعض ما جثم على نفسه.

ولما بدأ العام الدراسي عدل عن الاستمرار بكلية الطب، والتحق بقسم الفلسفة بكلية الآداب، وقرأ (تأملات ديكارت) على الفيلسوف الفرنسي لالاند، وراقته الدراسات الفلسفية لهذا جد العاصي في أن يعوض معايبه بالانطواء على نفسه، مل حتى الحديث بل صار يحيا في حياة كأنه في مغيب ولا سيما خلود الروح والتفاؤل والتشاؤم، والموت والحياة، وفي أيام الدراسة وضع رواية (غادة لبنان) ثم نشر (ديوان العاصي) سنة ١٩٢٦، ولما حصل على الليسانس سنة ١٩٢٩ عين موظفاً بالجامعة المصرية (جامعة فؤاد الأول).

كان العاصي مثال الشخصية المتناقضة، فإذا ضحك أضحك حتى لتكاد الجمادات يضحكن معه، وغدا حزن ضاقت عليه الدنيا بما رحبت، واسودت من حوله الحياة، فغلبت عليه نزعة النفور، وتمكن من نفسه الشعور بالنقص، ولا سيما أنه كان قميئاً خفيض الصوت لا يكاد يبين. يقول عن نفسه:

أبن عشرين عذبته الليالي=وأطاحت بعزمه المشبوب

لم يذق لذة الحياة ولكن ... ذاق أنواع قاصمات الخطوب

ساهم ساكن معنى مروع ... في شباب مقنع بمشيب

إن تحدثه قد يجيب بصمت ... أو بهمس أو شارة أو دبيب

ومداومة الاطلاع. وزادت ظروفه العائلية من حدة نفوره من أبيه الذي تزوج من غير أمه بعد موتها، وهجر أخويه واعتزلهما وأقام بالقاهرة.

وكان لشيرشون أثر قوى في تسعير جذوة نفسه: قرأ كتاب (كتاب وأخذ يقرأ في صمت عن الموت حتى لقد كان يضع خطاً بالقلم الأحمر تحت كل كلمة (الموت) في الكتاب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>