للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يجري في التقدير وراء ما يتصل بأنانيته أو ما يدركه من ظواهر الأشياء دون ما يتصل بذات الشيء وجوهره. يبدو ذلك في تصرفاته المتقلبة - كما رأينا -.

لا يعرف مقياساً عاماً في وزنه وتقديره أنه لم يهتد بعد إلى الحقائق. وقلما يصل إلى حكم استوعب فيه عناصر الحكم الصحيح عند الرشيد.

لكن الإسلام طلب أن يكون التفتيش والاختيار والروية أساس الحكم: يقول تعالى مخاطباً المؤمنين: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين). ويقول مخاطباً رسوله الكريم: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فأحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون). فلم يرض أن يكون الظاهر المدرك الأول وهلة أساس الحكم ثم العمل والتصرف.

وهكذا في كل جانب من جوانب الطفولة الإنسانية - في الطفل مرحلته الأولى أو في الإنسان البدائي - لو وقعنا على مظاهره وعرفنا بطريق المقابلة بظاهر الرشد والنضج العقلي وحدنا الإسلام يمثل منتهى الرقي حسب معايير الإنسان. ومع ذلك ليس من صنع إنسان كامل، لأن هذا الإنسان الكامل لم يكن حقيقة واقعة ولم يزل بعد فكرة، وسيظل فكرة ومثالاً فقط. الإسلام وحي من الله الذي هو فوق التجديد الإنساني، إذ هو سر الوجود وسيبقى سر الوجود ما دامت السماوات والأرض، وما دام الإنسان يعيش ويبحث.

محمد البهي

<<  <  ج:
ص:  >  >>