كتب الصديق البحاثة الدكتور بشر فارس في بريد العدد الماضي من الرسالة بما يقطع في أمر أسباب الكساد الذي يرين على السوق الأدبية في مصر بأنه لا يرى كل الرأي فيما سبق أن ذهبت إليه في مقالي السابق من أن انصراف الجمهور عن الإقبال على النتاج الأدبي في مصر إنما مرده إلى ما قلت:(إذا كان النتاج الأدبي لا يقابل من الجمهور بالحماس الواجب، فلأن الفتور مفروض على كل شيء يجري في مصر، ولأن عدم الاكتراث صفة - ويا للأسف - من صفات الأكثرية الغالبة من الجمهور المصري ولا سيما فيما له علاقة بالأدب والفن) وعاد الصديق الدكتور إلى ترديد ما سبق أن صرح به في هذا الصدد، ومجمله:(إن الجمهور المهذب من القراء يرغب عن أدب التسلية والإنشاء التعليمي ويقدر ما يستحق التقدير)
وشد ما أرغب في الأخذ بهذا الرأي، وشد ما أود أن أحسن الظن بالجمهور الكبير وبالجمهور المهذب حتى أسري عن نفسي كمداً أهمني، ولكن ما الحيلة وقد دل الإحصاء الأخير على أن متوسط ما يباع من المؤلف الأدبي الواحد في السوق المصرية لا يتجاوز خمسين نسخة في العام الواحد!
ومعنى هذا أنه لولا وجود أسواق للأدب المصري في الأقطار الشرقية الأخرى لكان مقضياً على هذه المؤلفات الأدبية بأن تصبح غذاء مستساغاً للسوس والجرذان. . .
ومعنى هذا أيضاً أن هذا (الجمهور المهذب) صفوة قليلة العدد لا يؤبه لأثرها في تصريف المؤلفات الأدبية التي تكتظ بها المكتبات المصرية، حتى ولو كانت مؤلفات من الأدب الرفيع
وإذا جارينا الدكتور بشر فيما يذهب إليه، وهو أن الجمهور المهذب إنما يقبل على ما هو أسمى من أدب التسلية والإنشاء التعليمي فهل للدكتور الصديق أن يدلي لنا بعدد النسخ التي باعتها المكتبات المصرية من مؤلفيه (مفرق الطريق) و (مباحث عربية)، وهما مؤلفان ينفردان بطابع جديد في النتاج الأدبي الرفيع، وليس فيهما من أدب التسلية قمحة ولا من التعليم الإنشائي قطرة؟