للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب واللغة من الكائنات الحية]

للأديب محمد عثمان الصمدي

ينهض الأدب واللغة تبعا لنهوض الدولة وامتداد سلطانها، ويقوى ساعداهما بالقياس إلى قوة ساعد الدولة أيضا. هكذا يقول بعض الباحثين إلى قوة ساعد الدولة أيضا. هكذا يقول بعض الباحثين ومؤرخي الآداب والفنون. وقد يكون هذا أو بعضه حقا؛ ولكن من الحق أيضا أن ليس الأمر مقصورا على اللغة أو الأدب أو الفن، وإنما هو ينسحب على سائر مرافق الدولة، وعناصر الحياة فيها، وكل ما من شأنه أن يكون من مقوماتها. ولكنها تختلف ويسبق بعضها بعضا إلى الوجود بحسب الحاجة إليها، والباعث عليها، وبحسب ما يكتنفها من صعاب وعقاب. وأخيرا بحسب قدرة الدولة على الخلق والإيجاد، أو البعث والإحياء. وإنما كان الأدب أسبقها جميعا إلى النمو والازدهار لأنه وليد الفطرة لا يحتاج إليه سائر العناصر والمرافق والمقومات. . ولأمر ما أجاد الجاهليون الشعر

وقد عجب بعض الباحاث من العربية حين قويت وشاتد ساعدها في مدى العصر العباسي كله؛ لأنها لم تأبه لما منيت به الدولة من تدهور سياسي في القرن الرابع الهجري. ثم عللوا ذلك بأن الفاتحين لم تكن لهم لغة جديرة بالإحياء. ولأنهم كانوا يتخذون الشعر دعاية لدوهم الناشئة. ولأنهم مع هذا كان لهم تمكن في الأدب ومشاركة في فنونه)

ولعل هذا أو بعضه أن يكون حقا. ولكن يجدر بنا أن نلاحظ مع أن هذا أن الأدب كائن حي كسائر الكائنات الحية. فمنذ أن نمته الدولة بعد الجاهلية، واصبح بتلقي المؤثرات التي جاءت نتيجة للصراع السياسي وما إليه، صار له من الأغراض والأهداف ما لم يكن له من قبل. وما هي إلا أن اتسعت هذه الأغراض وامتدت على مدى الأيام. وأصبح كثير من الشعراء يطرقونها لا لشيء إلا أنها موضع للإجادة والتفوق والتبريز.

وبعبارة أخرى أصبحت ضرورة فنية دون أن يكون لها من الحياة ما يوحي بها أو يحمل عليها. وإنما يوحي بها ما سبقها من آثار جاءت في أول الأمر نتيجة لمؤثرات الحياة الواقعة، وما تتمخض عنه من أحداث. ثم أصبحت هذه الآثار تؤثر بدورها كالحياة الواقعة في الشعراء وأرباب البيان. ومن ثم فقد صار للأدب حياة قادرة على أن توحي وتلهم، وعلة أن تمس النفوس فتفجرها أرحه واهتزازا وطربا، وعلى أن تأخذ بالعقول إلى حيث

<<  <  ج:
ص:  >  >>