للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الفارابي في الشرق والغرب ومكانته في الفلسفة]

[الإسلامية]

- تتمة -

للأستاذ ضياء الدخيلي

والحقيقة أن سمو مكانة الفارابي في الفلسفة كان حديث المتقدمين ولم يزل حديث المتأخرين العصريين. قال الأستاذ (أبو ريده) في تعاليقه على كتاب (تاريخ الفلسفة في الإسلام) للمستشرق (دي بوير) إذا كان الكندي قد أعتبر فيلسوف العرب تمييزاً له عن أقرانه من الفلاسفة غير العرب فإن الفارابي يعتبر فيلسوف المسلمين بالحقيقة كما يقول صاعد الأندلسي في طبقات الأمم وفيلسوف المسلمين غير مدافع كما يقول القفطي في أخبار الحكماء. أما ابن خلكان فإنه يقول في وفيات الأعيان إن الفارابي كان أكبر فلاسفة المسلمين ولم يكن فيهم من بلغ رتبته ويقول ظهير الدين البيهقي في كتابه تاريخ حكماء الإسلام المخطوط في دار الكتب المصرية، وكان أبو علي تلميذاً لتصانيفه وأورد هذا الرأي الشهرزوري أيضاً في كتابه نزهة الأرواح وروضة الأفراح المصور بمكتبة الجامعة المصرية. ويكاد يلمس الإنسان صحة هذا الكلام فيما يفوق الحصر من آراء ابن سيناء التي أخذها عن الفارابي من غير تغيير ف ألفاظها. ونكاد لا نجد في فلسفته شيئاً إلا وأصوله عند الفارابي. ويقول ديترصي في مقدمته لرسائل الفارابي (إن الفارابي مؤسس الفلسفة العربية) والذي يقرأ الفارابي يجد في تفكيره طرافة ونضوجاً وفهماً عميقاً يدل على طول تأمل في الفلسفة. وإذا كان الكندي الفيلسوف العربي كما ألمع (دي بوير) قريب الصلة بالمتكلمين وبالفلاسفة الطبيعيين - ونستطيع أن نعرف هذا من أسماء مؤلفاته - فقد لا نكون بعيدين عن الصواب إذا قررنا أن الفارابي أول فلاسفة الإسلام على الحقيقة وقد كان يحيا حياة الفلاسفة من زهد وانقطاع إلى التأمل.

وتذكرني كلمة (ديترصي) هذه التي تحدثنا عن إعجاب الفكر الغربي بالطرافة والنضوج والفهم العميق الذي بدل على طول تأمل في الفلسفة والأمور التي يوجدها في ما دونه الفارابي من الآثار الخالدة - يذكرني هذا بما قرأته للعقاد في رسالته عن (أثر العرب في

<<  <  ج:
ص:  >  >>