للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مصر والوحدة العربية]

قلنا في افتتاحية السنة الحادية عشرة من حياة الرسالة:

إن الاتحاد العربي على أي صورة يوشك أن يكون مقصداً من مقاصد الحكم في هذا العهد. ولقد قام في سبيل هذا المقصد ما قام منذ تصدع شمل الأمة العربية، من بواثق الاستعباد وعوائق الاستعمار وما تجره سياسة الغزاة من انقطاع الأسباب بين الأخوة، وتشعُّب الآراء بين القادة. فلما تعارضت منافع الأمم المستعمرة، ووثبت النازية تريد استعباد الأمم لأنها بطبيعة عنصرها على زعمها سيدة، وزحفت الفاشية من ورائها تبغي استغلال البلاد لأنها بطبيعة أرضها فقيرة، رأت الديمقراطية التي تجاهد في سبيل السلام والحرية والمدنية بجانب جهادها في سبيل نفسها، أن تستعين فيما تستعينُ على هذا الطغيان الكافر المسلح بقوى العرب المتفرقة؛ فأعلن وزير الخارجية البريطانية في مجلس العموم البريطاني: (أن حكومته تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب لتعزيز وحدتهم الاقتصادية أو الثقافية أو السياسية؛ ولكن من الجلي أن الخطوة لتحقيق هذا المشروع يجب أن تكون من العرب أنفسهم. والذي أعرفه أنه لم يوضع إلى الآن هذا المشروع الذي سينال استحساناً عاماً)

وبهذا التصريح الرسمي العلني زالت الحوائل السياسية التي كانت فيما مضى تجعل الكلام في الوحدة العربية حُلماً يُرى وشعراً يقال، فإذا تنفس الصبح بالحلم تبدد، وإذا انتهى الشعر إلى الفعل كذب. وكان من غير المعقول أن يرى العالم العربي الخطوب تتواثب على جوانبه، والنوازل تتفاقم في أحشائه، ثم تظل كل دولة من دوله سادرة في مشاعب هواها دون أن تعالج ضعفها بما تعالج به الطبيعة ضعف النمل والنحل من التجمع والتعاون؛ فما هو إلا أن غامت الآفاق العربية بخطوب الحرب حتى شعرت كل دولة عربية بما تشعر به الشاة الشاردة عن القطيع، فتضاموا من الخوف ليتقي بعضهم ببعض سوء المصير؛ وهبَّ الزعماء المخلصون يقوون ما وهن من صلة الدم ونسب الروح، فسهلوا تزاور الأقرباء، وشجعوا تبادل الآراء، وقرروا توحيد الثقافة. ثم كان من توفيق الله لهذه الوزارة القائمة أن تخطو في سبيل الوحدة العربية هذه الخطوة التي كان ينتظرها وزير الخارجية البريطانية، وأن يسجل صاحب المقام الرفيع رئيسها هذه الخطوة المباركة في مجلس الشيوخ بقوله: (. . . منذ أعلن المستر إيدن تصريحه فكرت فيه طويلاً. ولقد رأيت أن الطريقة المثلى التي

<<  <  ج:
ص:  >  >>