للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من مواقف العروبة]

للأستاذ محمد سعيد العريان

من ذلك الفتى الشعاع، يختال في العزم والقوة، والشباب والفتوة، حاسرا عن ذراعه، متقدما على صحابته، قد فرعهم طولا، وبهرهم تماما وحسنا. . .؟

قال أصحاب محمد: (ذلك قزمان المدني. ما نعرف في أصحابه من يفوقه شهامة ورجولة؛ إنه ليعين الضعيف، وينتصر للمظلوم، ويسرع إلى الصريخ؛ لا تني به عزيمته عن أمر يقصد إليه؛ وما تعرف المدينة في فتيانها أغير من على حماه، وأبر منه لأهله. . .!)

قال محمد: (إنه لمن أهل النار. . .!)

واستمع المسلمون لرأي النبي في الفتى الذي اجتمعوا على الإعجاب به والتمدُّح بخلاله، فما راجعوه الرأي ولا ناقشوه العبارة؛ إنهم ليؤمنون بالنبي إيمانهم بكلمة الله؛ وإنهم ليعرفون محمدا أصدق نظراً وأنفذ بصيرة فما تخفى عليه من أصحابه خافية. إنه ليكاد ينفذ إلى سرائرهم جميعا بعينيه الثاقبتين، فيعرف ما تجيش به نفس كل رجل منهم، وإنهم ليعيشون من هذه المدينة في جو من الحذر والتربص، بين المنافقين من أتباع عبد الله ابن أبي بن سلول، وبين اليهود من بني قريظة والنضير؛ فما يسيئون الرأي في واحد بينهم إلا حسبوه عينا وربيئة من عيون المنافقين واليهود؛ فمن يكون (قزمان) بين هؤلاء وأولئك؟ وهل يدري أحد ممن هو وإلى من ينتسب؟ إنه لرجل يعيش في المدينة كما يعش أهل المدينة جميعا، ولكن أحدا منهم لا يعرف عنه أكثر مما يرى منه. . .

وتذامر المشركون من أهل مكة على قتال محمد، واجتمع إليهم من اجتمع من قبائل كنانة وأهل تهامة، يطلبون الثأر لقتلى بدر. وسار جيش الشرك في ثلاثة آلاف مقاتل، ما منهم إلا موتور يحرص على الأخذ بالثأر ولو مات دونه؛ وتطايرت رمال الصحراء تحت سنابك الخيل وأخفاف الإبل، نذيرا بما سيكون في غد بين الطائفتين؛ وسال الوادي يقذف بالزبد رجال على الصهوات تلمع سيوفها تحت الشمس ثائرة مهتاجة؛ وتجاوبت جنبات البادية بحداء الرجال على نواصي الخيل ورنين الدفوف بين الظعائن؛ حتى أشرف الجيش على (أحد) فلتبثوا ينظرون ما يكون من أمرهم وأمر محمد. . .

وخرج محمد وأصحابه سبعمائة رجل إلى لقاء الجيش عند أحد، فما تخلف في المدينة إلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>