للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الصبيان والشيوخ والنساء والعجزة. وما انخزل عنه إلا المنافقون من أتباع عبد الله بن أبي، وتخلف قزمان فيمن تخلف بالمدينة. .!

وغدا قزمان يمشي في طرق المدينة لا يصحبه إلا ظله. أين رفاقه وصحابته؟ لقد خرجوا جميعاً إلى لقاء العدو فما تخلف منهم غيره، ففيم بقاءه ولا بقاء لمثله؟ ولكن فيم خروجه وما يؤمن بما يؤمن به صحابته؟ لقد خرجوا دفاعاً عن دينهم الذي يدينون الله عليه، وذياداً عن الحق الذي يذعنون له، بلى، وحفاظاً على الوطن العزيز أن تطأ ثراه نعال الغرباء. . .

وتحدث قزمان إلى نفسه هُنيَّة: (ما مُقامي هنا وأصحابي هناك؟ وَيْ! وماذا تكون مقالتهم عني وليس في المدينة غيري وغير هؤلاء؟)

هؤلاء كل ما هنا لك: شيخ هم يمشي على عصوين، وأعمى ضرير يتوكأ على عكازته، وطفل لدن يركب عصاه يستبق مع لداته، وعجوز عرقتها الأيام جالسة وراء الباب تنتظر ما يأتي به الركبان من أخبار الحرب، وشابة مخضوبة البنان متوارية في الخباء وأذنها إلى الطريق تتسمع نبأ عن زوجها الذي خرج للجهاد؛ وهذا الفتى وحده. . .!

وعاد قزمان يتحدث إلى نفسه: (. . . وماذا يكون من أمري حين يعود أصحابي أو حين تأكلهم الحرب فلا يعودون؟ بل ماذا يكون إن كانت الهزيمة وعجز الأوسُ والخزرجُ أن تدافعا عن المدينة؟ وما مقامي وكيف أكون إن ظفر العدو واستباح الحمى ووطئت نعاله تراب الوطن. . .؟ يا لأحساب قومي، ويا لعزة بلادي. . . ولكن. . .! يا للعروبة! أتغفر لي أن أقاتل في صفوف محمد وما أنا على دينه؟)

وتوزعته الفكرتان لا تسلمانه إلى رأي فيهدأ، ثم لم يلبث أن خلع الفكرتين جميعا إلى خاطر هفت له نفسه. . .

ومضى يحث الخطا إلى داره (سُلافة بنت طلحة)، يلتمس في الأنس بها ساعة من نهار هدوء البال وراحة النفس. منذ كم لم يجتمع قزمان وسلافة تسر إليه ويسر إليها؟ إن لها في نفسه لمكانا؛ وإن له في نفسه لحديثا يسره أن يلقاها فيحدثها به وتحدثه؛ لقد كانت العيون بينهما حائلة، فهاهي ذي الفرصة قد أمكنته ليجلس إليها ساعة في غفلة العيون. . . وطرق الباب. . .

-: (من؟ من يدق الباب؟)

<<  <  ج:
ص:  >  >>