كنت أقول للذين يحلو لهم أن يصنفوا الكتاب إلى كاتب مقالة وكاتب قصة وكاتب نقد وكاتب سياسة وكاتب تمثيل: إن الكاتب الخليق بهذا الاسم يجب أن يكون أولئك جميعاً. فإذا قصر جهده على بعضها فليس معنى ذلك قصوره عن بعضها الآخر، بل معناه أن عمل الكاتب في التعليم أو في الصحافة، أو حظ الأمة من الحضارة والثقافة، أو حال المجتمع من الرخاء والاستقرار، يساعد اتجاهاً على اتجاه، ويغلب نوعاً على نوع. وما الكاتب إلا فنان موهوب ميزته تأليف الكلام الجميل تعبيراً عما يقع في حسه وعلمه، وتصويراً لما يجري في خياله وذهنه؛ فإذا استمد الإلهام والمعرفة أحاط إحاطة (الجاحظ) و (جيته)، وإذا استملى الشعور والعاطفة ألم إلمام (البديع) و (موسيه). وانفساح ذرعه أو انحصار طبعه لا يدخل في حسابه بالزيادة ولا بالنقص، لأن الأصل في فنه أن يجيد الكشف عما يحس به والإبانة عما يعلم
قالوا إن العقاد باحث جريء الرأي، وناقد نافذ البصيرة، وجدلي دامغ الحجة، ولكنه لا يملك أن يكون قصصياً يكشف بالوحي حجب الغيب، وينمق بالخيال صور الحقيقة، ويحي بالعاطفة خمود الفكرة، وتلمسوا لذلك الأدلة والعلل من طبيعة مزاجه واتجاه تفكيره وروح أسلوبه، حتى رووا عنه أنه عاب القصة ونفى أن تكون نوعاً جدياً من أنواع الأدب. وكان الذين يسمعون هذا الكلام يقابلونه بالتصديق ويؤيدونه بالواقع، فكنا نقول لهؤلاء إن الذي يعرض هذا العرض، ويصف هذا الوصف، ويحلل هذا التحليل، لا يعضل عليه - إن أراد - أن ينقل المشهد الذي رآه، ويقص الخبر الذي علمه. وليس القصص كله خيالاً حتى يسوغ في العقل أن الكاتب الذي يضيق خياله ويضعف وهمه باتساع عقله وقوة فكره يقصر باعه عن القصة
وجاءت (سارة) والرأي على ما خيل الراءون فأقرت الأمر في موضعه من صميم الحق؛ وقدمت الدليل القاطع على أن هذه الشخصية الأدبية قد بلغت الغاية في كل ناحية من نواحي الأدب، حتى الناحية التي لم تتجه إليها إلا منذ أمس.
وهل صحيح أن أمس كان أول عهد العقاد بالقصة، وأن سارة كانت أول ما كتب العقاد من