ليس بين المثقفين من يجهل كتاب (معالم تاريخ الإنسانية) للكاتب الإنجليزي هـ. ج ويلز الذي أصدره بعيد الحرب الكبرى الماضية، وترجع شهرة هذا الكتاب القيم إلى أن ويلز عندما فكر في المنازعات الدائمة والحروب المستمرة التي تخوضها الجماعات البشرية، أدرك أنها إنما تعود إلى العصبية الدينية أو العنصرية أو الإقليمية، وأنه لا سبيل إلى تقارب هذه الجماعات إلا بإيجاد مستوى سام من الثقافة تشترك فيه جميع الأجناس. وإلا بإعادة النظر في التاريخ وكتابته من جديد كتابة موضوعية تبرأ من شوائب العصبيات وتقوم على أساس العلم الصحيح، رابطة الأسباب بالمسببات ومسايرة ركب الحضارة في نشأتها وتطورها حتى استقرت على حالها الذي تراه اليوم في النزوع إلى التوحد وترسيخ المبادئ الديمقراطية وإقرار حقوق الإنسان وصيانة كرامته. فانطلق ويلز يؤسس كتابه هذا على مبادئ هذه الدعوة الشريفة.
(ومعالم تاريخ الإنسانية) هو حجر الزاوية بين مؤلفات ويلز الكثيرة التي عكف فيها على دراسة مشكلات الجماعة الإنسانية، والتي يربط فيها بين تاريخ الإنسان وتاريخ الحياة على تعدد صورها وأشكالها.
وقد ترجم هذا الكتاب إلى جميع اللغات الحية تقريباً وتأخر نقله إلى العربية حتى نهض الأستاذ عبد العزيز توفيق فترجمه فيما تيسر له طيلة أربع سنوات من كل ليل وكل نهار كما يقول في المقدمة. وها هي لجنة التأليف والترجمة والنشر تصدر المجلد الأول منه، حاوياً ثلاثة من أجزاء الكتاب الثمانية.
ولعل هذا المجلد الأول هو أعسر الأجزاء وأشقها على المترجمين لأنه يتناول الحقائق الفلكية والجيولوجية ويضم المعارف المتصلة بالحياة على الأرض قبل الإنسان، ويغص