للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[روافع المجتمع. .]

للأستاذ محمد محمود زيتون

لم تعد الدراسات الاجتماعية عقوداً من إرشادات ونصائح، أو فرائد من أفكار مرتجلة هي بضاعة ذوي المآرب في الدعاية لأشخاصهم والترويح لمبادئهم أو أحزانهم. ومضى كل ذلك مع أمس الدابر، يوم أصبح المجتمع في نظر العلم الحديث موضوعاً للمقاييس ومجالاً للمناهج، وميداناً للقوانين العامة أقصى ما يكون العموم. . وبذلك كان الاجتماع البشري آخر معقل من معاقل العرفان غزته جيوش العلم واتخذت منه معسكراً.

وليس أدل على ذلك من قوانين الاقتصاد التي أصبحت رموزاً ومعادلات جبرية تسير بمقتضاها الظاهر الاجتماعية كما هو معروف في قوانين العرض والطلب، وقانون (ملتوس) في تزايد السكان. وانضوت البحوث السيكولوجية - هي الأخرى - تحت لواء العلم منذ وجدت النزعة العلمية الحديثة أرضاً خصبة لها في كل مكان.

وهذا علم الاجتماع لم يشذ عن هذا المضمار، فقد ميز فيه (دور كيم) جانبين هامين هما (الاستاتيكية) و (الديناميكية) شأنه في ذلك شأن الكهربائية في جانبيها (الذاتي) و (الانتقالي)، واعتبر النشاط الاجتماعي عن ظواهر أو وقائع ينظر إليها العلم على أنها (أشياء) من حيث خضوعها للحواس من جهة، وللمقاييس من جهة أخرى. ثم من حيث أنها تسير حسب قوانين صارمة لا تتخلف، وعلى الباحث أن يجد في كشف هذه القوانين المضارعة لقانون الضغط مثلاً، فإنه لم يكن قد اكتشف بعد، بينما آثار الظواهر لا تنكر.

وقد حرصت المدرسة الاجتماعية الفرنسية الحديثة على طبع فروع العلم الاجتماعي بهذا الطابع العلمي الخالص، وظهرت آثار هذه الحرص فعلاً في دراستها لعلوم الأخلاق والسياسة والدين والقضاء والجمال.

وإذا كان (دور كيم) قد اقتبس من الفلك والكهرباء والفيزياء والكيمياء على أوسع نطاق، فلا حرج علينا إذا اتخذنا من الميكانيكا استعارة صريحة نستعين بها على فهم المقومات العامة للمجتمع الموزون في قواه الداخلية والخارجية.

وتتركب الرافعة - وهي نوع من الميزان كما تعلم - من محور الارتكاز والقوة والمقاومة، ولا يستقيم الميزان إلا إذا تحققت المعادلة الآتية أياماً كانت الرافعة: القوة في ذراعها

<<  <  ج:
ص:  >  >>