للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أبو كلثوم الوفدي!]

للدكتور زكي مبارك

ما كنت أنتظر أن أجد في (شبرا) ما رأيت هذه الليلة. فشبرا حي صخاب لا مثيل له في الحركة والضجيج بين أحياء القاهرة. هو في الأصل من الضواحي الهادئة الوادعة المجَّملة الشوارع بأشجار الجميز والتوت، ثم تحول في مدة قليلة إلى محلة مزدحمة بالتجار وأرباب الأعمال

كانت سهرة هذا المساء في منزل صديق عزيز يسكن تلك المحلة، وكانت السهرة مثقلة بالحديث عن مشروعات وزارة المعارف، فلم يكن فيها جانب واحد من جوانب الهدوء والصفاء

ومن عيوب رجال التعليم في مصر أنهم يحملون شواغلهم في كل مكان، حتى لتحسب أن تلك الشواغل هي كل ما يملكون من زاد الحديث في سهرات الأندية والبيوت. . . لطف الله بكم يا زملائي!

وزاد في عنف الجدل معالي النقراشي باشا كان تحدث مع جريدة المقطم في أشياء تفتح المجال للنظر والتأمل، وتقدم للمشتغلين بالتعليم فرصاً كثيرة لحركة الأفكار والعقول وأردت أن أخرج قليلاً من ذلك الميدان الذي كنت أركض فيه وقت الصباح، ونويت أن أخلص من شواغله وقت الليل، فاقترحت أن تتفضل (روحية) فتقرأ علينا حديث النقراشي باشا بصوتها الذي يشبه بغام الظباء، وأنا أرجو أن أحول تلك المعضلات التعليمية إلى مشكلات وجدانية

ولكن روحية تلحن حين تقرأ، واللحن من مثلها لا يغتفر: لأنها طالبة بإحدى كليات الجامعة المصرية، ومن البعيد أن أطرب لكلامها الملحون، فقد كان المقام مقام تعليم، ولم يكن مقام تشبيب، وإن كنت قصدت أن يفيض صوتها على ذلك الموضوع الجاف نفحةً من نفحات الوجدان

فهل غيرتني الأيام حتى صرت أعد اللحن من ذنوب الملاح؟!

معذرة، يا روحية، فأن عمك نقله الزمان من إلى أحوال! خرجت مكروب الصدر أفكر في أشياء وأشياء، ولكن القمر طالعني بوجه أصبح وهاج، فنظرت إليه برفق وحنان، وكدت

<<  <  ج:
ص:  >  >>