أنسى ما في الصدر من هموم وأثقال. . . والشعراء كالأطفال ينسون أشجانهم الفوادح في لحظات!
قال رفيقي: أين تقع هذه الليلة من الشهر؟
فنظرت في المقطم على نور القمر فرأيتنا في مساء اليوم الثالث عشر من شوال، فقلت: هذه ليلة البدر، يا رفيقي!
وما هي إلا لمحة حتى كان المذياع يصافح آذاننا بجلجلته من منزل بعيد فهرعت إليه وأنا مأخوذ، فجذبني الرفيق من يدي وهو يقول: إن لم يكن بد السماع فارجع بنا نسمع المذياع في البيت؟
فقلت: أريد أن أسمع مع قوم لا يعرفون وزارة المعارف، ولا يفكرون في المناهج، ولاتهمهم مصا ير التلاميذ!
وقفت أسمع كما وقف ابن عبد ربه يسمع منذ أكثر من تسعة قرون، ولم أخف مما وقع لابن عبد ربه؛ فقد طردوه بأسلوب قبيح حين رموه بجرة من الماء ليحرموا أذنيه ألحان الغناء! ثم نظرت فرأيت الدنيا حولي تذكر بمحلة الصدرية في بغداد هي والله محلة الصدرية بمنازلها المنثورة بلا نظام ولا ترتيب، وفي ثناياها نخلات طوال تخيلتها نقلت من هناك
قال رفيقي: إن المذياع في بيت ليس فيه ضياء
فقلت: إنه يغنى أهل البيت في لحظة صفاء
فقال: ألا يكون من الأدب أن نتصرف؟
فقلت: ومن الخير أن أرجع إلى داري لأكتب كلمة عن أبي كلثوم الوفدي، فقد تذكرته حين رأيت في شبرا صورة الصدرية في وطن الأهل والأحباب، إن بقي لي في الدنيا أهل وأحباب!
فمن هو أبو كلثوم الوفدي؟
هو أبو كلثوم: لأنه مفتون كل الفتون بأغاريد أم كلثوم، وهو يهذي بها في كل وقت
وهو وفدي: لأنه حقاً وصدقاً من أشياع الوفد المصري، وهو يهفو إليه في كل حين
فمن هو أبو كلثوم الوفدي الموزع القلب بين القاهرة وبغداد؟ هو الأخ العزيز الأستاذ محمد