[أهذه الأرض؟]
للأستاذ فخري أبو السعود
مَنْ غَازَلَ الرَّوْضَ حتى اْفتَرَّ جَذلاناً ... وكان منقبضاً بالأمس غضبانا؟
ونضَّرَ الزرعَ فاخضرتْ لفائفه ... وأنبث في الأرض آكاماً ووديانا
وأخرج الزهر من أقصى منَاَبِتِهِ ... فرصَّعَ العُشْبَ أشكالاً وألوانا
وصاح بالريح حتى قرَّ ثائرُها ... إلاَّ نسيماً بِعَرْفِ الزَّهر مَلآنا
وكفكفَ الغيثَ فانجابتْ عوارضُه ... وكان لا يَأْتَلي هَطْلاً وتهتانا
وقَشَّعَ السُّحْبَ عن أُفْقِ السَّما فَبَدَا ... طَلْقاً وَأطلعَ وجهَ الشمس ضَحْياَنا
وَرَدَّ غائلَ بَرْدٍ كاد يُهلكنا ... عاتٍ وأَرسلَ دفئاً منه أَحيانا
أَهذه الأَرضُ ما زالت كما عُهِدَتْ ... أَمْ بَدَّلَتْها جنودٌ من سليمانا؟
قد ظلَّ ملتحفاً بالدَّجْنِ محتجباً ... حُسْنُ الطبيعة طولَ العامِ وسنانا
حتى انجلى فبدا من طول لهفتنا ... إليه آخَذَ بالألباب عُريانا
وللطبيعة حُسْنٌ حيثما سفرتْ ... في الشرق والغرب ساَب أينما بانا
ليست أَقَلَّ بأَرْض الثلج فِتْنَتُهُ ... منها بِوَادٍ يغذِّي النَّخْلَ والبانا
وَدِدْتُ لَّما تمَشَّي في الجزيرة لو ... يُتاح لي حماها الخُلْدُ أزمانا
عَلِّي أَعُبُّ مَلِياً مِن منَاَهِلهِ ... ويفتدي القلبُ من رَيَّاهُ رَيَّانا
ذَرَعْتُها من جنوب الأرض مبتغياً ... شمالها ممعنًا في السير إِمعانا
والشمس ترمي شُواظاً من أَشعتها ... آناً وَيَفْتَرُ عنِّي وَقْدُها آنا
مُقَلْقَلَ الشخص تعلو بي غَوَارِبُها ... حيناً وتهبط بي الأغوارُ أحيانا
تبدو على الأفق الآطامُ مائلةً ... خلف المزارع أسراباً وأُحْدَانا
وَقَدْ عَلَتْ بينها الأبراجُ راسيةً ... طَوَتْ بموضعها دهراً وحِدْثانا
إذا هَبَطْتُ قراها أو مدَائنَها ... رأيت خيراً وإثراَء وعمرانا
ماجت بمن دَرَ جُوافيها ومن ركبوا ... كالنمل تَعْمُرُ أَلْوَاذاً وكثبانا
وإن أَوَيْتُ لأَحضان الطبيعة لمْ ... أُلاَقِ أَحْنى على الأبناء أَحضانا
أَهْدَتْ إِليَّ وفوداً من نسائمها ... تترى وظلاَّ من الأغصان فينانا