في حارة (قصر الشوق) من حيّ الجمالية بالقاهرة، وإلى الشمال الغربي من مسجد (أبي عبد الله الحسين) حيث لا تزال القاهرة التي بناها المعز لدين الله قائمة في هذه القباب والمآذن، وتلك الدُّروب والمسارب، وهذه الدُّور الرحيبة المتقادمة التي تفضي إليها من باب إلى باب إلى أبواب. . .
. . . هناك، حيث التاريخُ الغابر ما يزال حيّاً ناطقاً في كل ما تقع عليه العين من مشاهد وآثار وناس؛ كأنما اجتمع تاريخ مصر الإسلامية كله في زمان ومكان، فلا يزال النظر يتنقل من منظر إلى منظر يذكِّر بالماضي كعهده يوم كان، من جيل إلى جيل إلى أجيال. . .
. . . هناك، حيث لا تزال ترى وتنظر ألواناً من الناس في سمات وأزياء وملامح، كأنما تشهد بقايا من سلائل الفاطميين وأبناء المماليك وجند السلطان سليم. . .
. . . هناك في هذا الحي نشأ (توفيق). . .
تراه، فلولا طربوشه الأحمر ولسانه العربي لحسبتَه واحداً من أولئك السياح الأجانب الذين يفدون إلى بلادنا كل شتاء للدرس أو الرياضة. أما أبوه فله في الحيّ جاه واعتبار، وإن له ميراثاً من تاريخ هذا الحي العريق يمتد إلى أجيال، منذ دخلت مصر جيوش السلطان سليم. وأما أمه فنازحة من دمياط، فلعلها بقية من سلالة بني أيوب. وأما هو فإنه ابن أمه وأبيه. . .
ونشأ نشأة أهله عل صلاح وتقوى ودين؛ لا يعرف له طريقاً إلا إلى المدرسة أو المسجد، فلم يبعثْ به الهوى مرة ولم يَغْترَّه الشباب. . .
وأتم في التعليم في مرحلتين، فأراد أبوه أن يلحقه بالجامعة، ولكن ميراثاً في دمه كان يزين له ركوب البحر فسافر إلى إنجلترا ليدرس فنون الملاحة ويتهيأ لما أراد. . .