للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مشكلة واحدة وعلاج واحد!]

يقولون إن مشكلاتنا الاجتماعية ثلاث: هي الفقر والجهل والمرض. . . وأقول إنها مشكلة واحدة: هي الفقر وحده دون سواه! ولا أريد بهذا القول أن ألغي وجود المشكلتين الأخريين، ولكنني أردهما إلى المشكلة الأولى حين نلتمس موضع العلة الرئيسية، ونضع أيدينا على موطن الداء الأصيل، ونبحث عن الحل الموفق والعلاج الناجح. ونستطيع في حساب المنطق السليم أن تبرهن على صحة هذه القضية حين تقول إن الفقر يدفع بأصحابه إلى مهاوي المرض وظلمات الجهل، ولا يستقيم لك هذا المنطق إذا قلت إن الجهل وحده أو المرض وحده يقود أصحابه إلى حومة الفقر الذي لا حيلة لهم فيه!

على هذا الأساس يجب أن ننظر إلى المشكلة؛ المشكلة التي تخص السواد الأعظم من هذا الشعب ممثلا في طبقات الكادحين من العمال والفلاحين؛ فهنا الفاقة التي تحول بين الفرد وبين نور العلم، وتحول بينه وبين نعمة العافية. . . وماذا يفعل الفقير إذا أراد أن يتعلم وهو موزع الفكر بين مشكلتي الغذاء والكساء، وماذا يقدم للجسد المنهك تحت عوادي السقم وهو لا يملك ثمن الدواء؟! في هذه التربة الخصيمة ينثر دعاة الشيوعية بذور المبادئ الهدامة ويشيعون دعوة السوء، وفي ساحة الفقر وحدها يركزون هجماتهم في الظلام بغية تمهيد الطريق لحملة المشاعل. . . وفي غمرة الأماني الكاذبة والدعوة الباطلة يصور الفقر لأصحابه أن الدجالين قادة، وأن المستضعفين سادة، وأن الشياطين ملائكة، وأن المشاعل التي وعدوا بها ستحمل إليهم الإشراق كل الإشراق، وما دروا أن فيها الإحراق كل الإحراق!

من العجيب حقاً أن يفطن دعاة السوء إلى موطن الداء الأصيل في مصر، ولا يفطن إليه المسئولون ومن بيدهم الأمر جرياً وراء التعلق بالروافد غافلين عن النهر الكبير، نهر الفقر الذي يصب مياهه الملوثة بجراثيم الجهل والمرض في أودية النفوس والعقول. . . ويقولون تبعاً لذلك إن مشكلاتنا الاجتماعية ثلاث، ولا بأس أبداً من أن نبحث لكل مشكلة عما يلائمها من علاج. وتمضي الأيام والفقر هو الفقر، والجهل هو الجهل، والمرض هو المرض. . . لماذا؟ لأن الخطوة الواحدة قد أريد لها أن تكون خطوات، ولأن الجهد الواحد قد قدر له أن يصير إلى جهود. . . وهكذا تشتت القوي في شتى الميادين بدلاً من أن تركز في ميدان واحد، ولا ضير من أن تظفر ببعض النتائج في عدد من السنين قد يستحيل إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>