قامت الجزيرة الصغيرة وسط النهر العريض، وقد توسطتها بحيرة صغيرة، أو بالأحرى غدير تحيط به الأشجار والحشائش الطويلة الناعمة، مرصعة بأزهار عباد الشمس الأرجوانية، على صفحته كل صور الطبيعة، فظهرت أكثر جمالا وأرق خيالا.
وأضفى على المكان، حيث سماء الخريف المتجددة الألوان المتغيرة السحب نهاراً، وحيث البدر المضيء والنجوم المتلألئة ليلا، وأشباح الأفنان المتمايلة تنعكس على مرآة البحيرة العميقة، أضفى كل ذلك عليه جواً من الخيال الرائع.
وفي ذات يوم أرسى الصياد قاربه على الشاطئ الرخو للجزيرة المهجورة، وانطبعت آثار أقدامه على الرمل الأملس. ورأى البدر يظهر خلال الأفنان فينعكس نوره اللازوردي على ماء الغدير الصغير، فبهر بجمال ذلك العالم المجهول، وتلك السماء الشاسعة الغامضة التي ظهرت على صفحة الماء كأنها خارجة من قلب الأرض ذاتها.
ورأت أرنب عجوز كانت تعيش بين الأشجار على ضفة الغدير رأت الصياد عدوها اللدود، فولت هاربة في خفة وسكون، وقد رفعت أذنيها كأنهما سلاح تذود به عن نفسها.
وغرق الرجل في أحلامه، وفقدت الأرنب أحلامها. وعندما وصلت وسط الغابة ربضت تحت شجرة قائمة وانتظرت وقتاً طويلا وهي ترهف السمع وتشم الهواء بأنفها الصغير المرتعش وقلبها يدق دقات قوية لم تستمع إلى مثلها منذ شهور وشهور.
لقد ظنت الأرنب العجوز عندما اختفت جميع الأرانب من أرض الجزيرة بعد الفيضان السابق أنها المالكة الوحيدة لهذا المكان، وكم حلمت بالعيش هنا بقية أيام حياتها عيشة هادئة، وحيدة لا ينازعها أحد، بعد أن هرمت وهجرها أولادها وتخلى عنها الذكور، ولكن. . .