وقد لجئوا إلى الكهف هاربين من الدنيا يستعجلون الآخرة. والآخرة عندهم جميعاً نهاية نيرة يستطيع كل إنسان أن يصل إليها إذا سلك لها طريقها
ولما كانوا في المدينة بحثوا طويلاً عن هذه الطريق حتى أعياهم البحث، وكانوا يتفرقون ثم يجتمعون ويسأل بعضهم بعضاً هل اهتدى أحدهم إلى طريق النهاية النيرة؛ فما كانوا يجيبون وما كانوا يهتدون
وأخيراً قال قائل منهم: ما أظننا واجدين شيئاً ولو قضينا العمر كله هنا في هذا المكان المنحرف عن مسرى النور، وتحت هذه الجدران الجاثمة فوق الأرض بأثقالها والقاذفة الأرض بظلالها، ظلالها المظلمة المعتمة، التي لا يحب أهلها أن تشف، ولا أن تلطف. . . فتعالوا بنا إلى هذا الكهف الذي فوق هذا الجبل فإنه أكثر تصدياً للنور، وأبعد عن حلبة الصراع المخبول، ولعلنا هناك نهتدي إلى شيء. . .
فأوى الفتية إلى الكهف، وتبعهم الكلب
وكانوا وهم في الطريق إلى الجبل يسيرون جميعاً صامتين خاشعين مطرقي الرؤوس، شاهدين على أنفسهم بعجزهم وضعفهم، مؤملين أن يتاح لهم ما يرجونه حتى إذا ما رحلوا عن هذه الدنيا غادروها وهم أكبر مما كانوا يوم وردوها. . .
إلا أحدهم، فقد كان يضحك. فسألوه عما يضحكه فأشار إليهم ثم أشار إلى نفسه وظل يضحك، فتركوه يضحك
ولما انتهوا إلى الكهف قال قائلهم: نستطيع الآن أن نتفرق في أركان هذا الكهف وزواياه ومنافذه، ولنجتمع بعد يوم كامل لينبئ كل منا صحبه عما رأى. . .