(كتب كاتب في العدد الأخير من مجلة المقتطف الغراء شيئاً بعنوان (سيرة الرافعي) فيه أشياء أعرفها ويعرفها قراء الرسالة، وفيه أشياء لا أعرفها ولم أسمع بها على طول صحبتي للرافعي وما رويت من خبره عن أهله وخاصته، وفيه أشياء أنا على خلافها؛ ولو كان لي أن أعرف مصادر الكاتب إلى هذا العلم لاتهمت نفسي؛ ولكني أحسب كل مصادره أنه يسرف في الاستنباط، فرجائي إليه أن يمايز بين أجزاء الكلام ليعرف ما هو له وما هو للحقيقة، فإن فكر المفكر غير حوادث التاريخ، وما تراه أنت رأياً في الحادثة قد يراه غيرك على نقيض؛ والحياة حادثة وقصة واحدة لا خلاف فيها، ولكنها على اختلاف من ينظر فيها من أهل الرأي والفلسفة قصص وحيوات؛ وإن عليّ للرافعي لديناً يدعوني إلى السهر على تراثه، فمن ذلك أرى عليّ أن أتوجه إلى الكاتب بهذا الرجاء، وأن أتوجه بالعتب إلى الأستاذ فؤاد صروف القائم على تحرير المقتطف، وهو الخبير بموازين الكلام، وهو هو الذي كان للرافعي صديقاً من خاصة أصحابه وأصفيائه)
(العريان)
الرافعي الناقد
سأحاول في هذا الفصل أن أتحدث عن شيء مما كان بين الرافعي وأدباء عصره، وإنه لحديث شائك، وإنني منه لفي حرج شديد. لقد مات الرافعي ولكنه خلف وراءه صدى بعيداً مما كان بينه وبين أدباء عصره من الخصومات الأدبية؛ فما أحد منهم إلا له عنده ثأر، وفي صدره عليه حفيظة أو له عليه معتبة. ولقد اهتزت بلاد العربية كلُّها لنعي الرافعي وما اختلجت نفس واحد من خصومه فكتب إلى أهله كلمة عزاء، إلا رجلاً واحداً هو الدكتور