للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الحركة الوطنية الاشتراكية الألمانية]

١ - كيف نشأت بعد الحرب

للأستاذ محمد عبد الله عنان

شهدت أوربا في العصر الأخير طائفة من الحركات والثورات القوية، السياسية والاجتماعية، التي قلبت نظم الحكم والمجتمع، وغيرت مناحي التفكير والعواطف، وأثرت في سير السياسة الدولية اعظم تأثير

ولا ريب أن الثورة الفاشستية الإيطالية، والثورة الوطنية الاشتراكية الألمانية أو الحركة الهتلرية أو النازية، هما اعظم هذه الحركات والثورات البعيدة المدى والآثار في مصاير أوربا القديمة والمجتمع الأوربي القديم. والثانية وليدة الأولى في معنى من المعاني، وشبيهتا في بعض الغايات وفي كثير من الوسائل والإجراءات. ولكنها تختلف عنها في البواعث والظروف التي نشأت فيها، وفي الغايات الجوهرية التي تعمل لها، ثم تختلف عنها في طوالعها، وفي الآثار التي أحدثتها ومازالت تحدثها في سير السياسة الدولية وفي الرأي العالمي

ولعل اعظم ما تتفق فيه الحركتان الإيطالية والألمانية انهما عملتا معا لسحق الشيوعية، ولتحطيم النظم الدستورية والديمقراطية كلها، والقضاء على الحريات العامة وكثير من الحريات الفردية بوسائل متماثلة ولغايات متماثلة. وقد كان تفاقم الفوضى الاشتراكية والشيوعية في إيطاليا عقب الحرب الكبرى اكبر عامل في وثوب الفاشستية الإيطالية. ولكن اكبر عامل في وثوب الحركة الوطنية الاشتراكية الألمانية هو معاهدة الصلح (معاهدة فرساي) وما فرضته على ألمانيا من صنوف التمزيق والذلة والمغارم، وما بثته شروطها وفروضها الفادحة في الشعب الألماني من يأس وتفكك وانحلال. ويكفي أن نذكر أن معاهدة فرساي قضت باقتطاع الألزاس واللورين، ووادي السار، وسيليزيا العليا، ودانتزج، وقسما من شلزقيج من ألمانيا؛ وقضت بإنشاء الممر البولوني داخل أرضها ليمزق بروسيا الشرقية إلى شطرين؛ وقضت بتجريد ألمانيا من سلاحها وسحق عسكريتها التاريخية، وتحطيم أسطولها الضخم وجعلها من حيث الدفاع القومي كأصغر دولة ثانوية؛ وقضت على ألمانيا بتحمل مسئولية الحرب الكبرى ومن ثم بإلزامها بتعويضات مالية فادحة استنزفت مواردها

<<  <  ج:
ص:  >  >>