إننا لم نفكر يوماً، بل دقيقة، بل لحظة عين، أن نعت جمع التكسير يكون مفرداً مؤنثاً، أو جمعاً على السواء، والمطبوعات التي عنينا بنشرها - من تأليف ومقالات - مما طبع ولا نزال نتولى طبعه في المجلات والجرائد والكتب، نشهد شهادة تفقأ في العين حصرماً، وتذر فيها رماداً، في الوقت عينه بأننا عملنا - ولا نزال نعمل - بهذه الضابطة المطردة؛ ومن نسب إلينا الخلاف، فهو أعمى أو يتعامى، ولا يهمنا أمره، إنما إنكارنا كان لما كان على أفعل فعلاء وجمعهما على فعل لا غير؛ إذ لا يوصف الجمع المكسر والصحيح بغير هذه الصيغة الأخيرة؛ فإنك لا تقول البتة: رجال سوداء، ولا نساء سمراء؛ ولا نهارات زهراء، ولا ليلات بيضاء؛ حتى أن العوام لا تنطق بها. وكذلك لا تقول: كريات بيضاء، ولو علقت برجليك تلك الكرى دهوراً وعصوراً، توبة وندامة على ما سلف من أغلاطك، وعلى ما فرطت في حياتك
فالذي أنكرناه إذن - ولا نزال ننكره - هو قولك: كريات بيضاء. . . فهذا كفر نحوي عربي لم تنطق به العوام، ولا الأعاجم ولا الأروام!!
وقال أحد المعترضين المعاندين الذي لا يريد أن يهتدي إلى سواء السبيل: وبحسب قاعدة الكرملي، لا يجوز نعت المنازل بالأخرى ولا بالأولى، كما جاء في قول المتنبي:
هذى منازلك الأخرى نهنئها ... فمن يمر على الأولى يسليها!
لكن، هل يستطيع هذا المخالف أن يقول لنا: أين رأى كلامنا هذا؟ أليس هذا كذباً منه وبهتاناً وافتئاتاً؟! فهل في (أولى)(أخرى) لون، أو عيب، أو حلية؟ وهل تجمعان على (أول) و (أخر) بضم أوليهما؟ أفليس هذا مخالفاً للشرط الرابع؟ فما هذا التعامي والعمي أجارنا الله منه؟
وأما قول الخصم: إن (المتنبي) قال:
(وبستانيك الجياد وما تح_مل من سمهرية سمراء)
فالسمهرية هنا مفردة والسمراء كذلك. والمفردة هنا منكرة تدل على جمع، فهي من قبيل