وضع الواحد موضع الجمع، وهذا معتاد في وضع الأجناس. قال هذا علي في المخصص ٦٨: ١.
وقال هذا المعترض المسكين المغرور: السماع يؤيد القياس في هذا الشأن، فمن السماع قول طرفة:
ويوم رأينا الغيم فيه كأنه ... سماحيق ترب وهي حمراء حرجف
قلنا:(حمراء) هنا مجاورة (لهي)، وهي مفردة مؤنثة فحمراء صحيحة لما أشرنا إليه في الشرط الخامس
وقال المعترض أيضاً، محاولاً بكل قواه أن يضع رأيه الجامح موضع رأي ناجح، وذلك من العبث، فقال:(ومن ذلك قول الفند الزماني معاصر المهلهل)
(بقيت بعده الجليلة تبكي ... والخدود العيطاء تدعو لحاحاً)
ثم قال:(هكذا جاء في روضة الأدب (ص١٨٥)، وشعراء النصرانية (ص٢٤٣) انتهى.
قلنا: وحسناً فعل حين قال: (هكذا جاء في روضة الأدب وشعراء النصرانية، لأن سليقته تقول له: ليس هذا العجز من العربية في شيء، إنما هو باللغة الشويرية، ولم تكن هذه اللغة يوماً لغة فصيحة، بل خليطاً من العربية، والرومية، واليونانية، والزعفرانية، والجلجلوتية!
زد على ذلك أن صاحب روضة الأدب اسكندر آغا أبكاريوس وهو أرمني فاسد الذوق العربي، فهو غثاء سيل؛ وصاحب شعراء النصرانية شيخو، وكان رحمه الله - حاطب ليل، على ما اشتهر عنه في سورية والعراق وديار النيل، فوقعنا بين غثاء سيل وحاطب ليل، لكن لا عتب على الأب شيخو، لأنه نقل أبياته الزمانية عن الأرمني المذكور، وهذا الرجل يكتب الأرمنية بحروف عربية، ويتوهم أنه يكتب المضرية، وإلا فما معنى قول الفند: (الخدود العيطاء)، وهل كانت أو تكون أو ستكون، أو سوف تكون، يوماً، الخدود عِيطاً (بكسر العين وإسكان الياء). فالعيطاء مؤنث الأعيط، والأعيط على ما في معاجم اللغة:(الطويل الرأس والعنق، والأبي الممتنع) فما معنى العيطاء وكيف تتفق مع الخدود؟ اللهم إلا أن يكون معناها غير هذا في إحدى اللغات الثلاث: المالطية والوقواقية، أو الشنقناقية؛ لكني أقر معترفاً أني أجهلهن كلهن. ولعل حضرة المجادل يفهمهن، فيفسر لنا الكلمة في موقعها هنا!