دعينا لسماع محاضرة سنوية يلقيها الأستاذ مصطفى شاهين برحبة نادي فاروق الرياضي حيث تطل على شاطئ البحر، ويحتشد فيها الجمع المثقف في جو ينعش الوجدان، ويسحر العقل - مرة في كل عام -!
وكان موضوع المحاضرة (شائقاً - شائكاً) - على حد تعبير المحاضر - لكنه أقتدر على تقديم الأزاهير من بين الأشواك في بيان أخاذ جامع بين لغة الخاصة والتنزل إلى الأسلوب الدارج. ولقد أبان قسمة الأمم بتواضعها، واعتزازها وغرورها، موضحاً المفارقة بينهما ونصيب مصر منها قائلاً: إن المصري يعنف في الحكم على أمته مدفوعاً بتوثب طبيعة النقد لديه؛ لكنه يسرف إلى حد إغفال حقه نحو وطنه؛ فيرميه رميات كلها تسقط السقطات!
وقد عرض بمن يدعون الثقافة وينعون على الوطن أوضاع الحياة، ويتخذون من الحوادث الفردية قاعدة عامة للسلوك الاجتماعي ويجعلون هممهم الزراية عليه في أساليب غير مهذبة تحط بالكرامة الوطنية.
وألمع إلى قول فولتير:(إن الشعور بالنقص أول درجات الكمال. .، وعقب على هذا القول بأنه يعني به (الشعب الناقد الساخر لا ينقد نفسه لذات النقد بل لدافع قوي يحضه على الكمال. لكن هذا المعنى ليس ممثلاً تمام التمثيل لدى الزاري المنتقص لوطنه، لأنه يتخذ أسلوب نقده لتجاهل قيمته.
ثم استطرد المحاضر عارضاً خصائص تفكير الأمم في النقد معرضاً ببعضها على طريقته الساخرة، وخلص من هذا العرض إلى وجوب قيام معرفة النقص على ركنين أساسين أولهما (الكرامة الوطنية) المقصود بها الاعتزاز بالوطن عند نقده، وثانيهما (معرفة الواجب نحو الكمال) باتخاذ الأسباب المهيئة له.
ولقد سوغ حدة ثورة النقد بفترة الانتقال التي شبهها (ببكارة الفتاة، ووثبة بلوغ الفتى) قاصداً عدم القصد في هذه النزوة؛ فكأنه يبرر ما يبدو من نظر المصري إلى نفسه على الطريقة المسفة المسرفة، لكنه يدفع هذا التبرير بوجوب (التوجيه) في أسلوب مقصود به الإصلاح في شتى مناحيه.