(وصف وتأريخ لرحلة الوفد السوري إلى الحجاز ربيع ١٩٣٥
لفتح طريق الحج البري للسيارات)
للأستاذ علي الطنطاوي
حين تصل هذه المقالة إلى الرسالة، يكون الركب الذي خرج من دمشق منذ أسبوعين يؤم الحجاز قد شارف المدينة إن شاء الله. وهو أول ركب من الزوار يسير على الطريق الذي كشفناه، وفيه قريب من ثلاثمائة رجل وامرأة، ووصوله سالماً إلى المدينة، وذلك بفضل الله مؤكد، هو الثمرة الأولى لرحلتنا الكشفية التي رحلناها في ربيع ١٩٣٥. ولقد كان أول ما خطر على بالي دعيت إليها وضع كتاب عنها، فكنت أتأبط دفتري دائماً، فلا نسلك طريقاً، ولا نقطع وادياً، ولا نرى جبلاً، إلا كتبت اسمه وصفته، وطبيعة أرضه، ولا يمر على قوم إلا سألت عن أنسابهم وأحوالهم، ووصفت مساكنهم، وذكرت ما عرفت من عاداتهم، وسمعت من لغاتهم؛ ولا بتنا ليلة إلا ذكرت كيف حططنا الأحمال، وكيف نهضنا للارتحال؛ ولا أرى منظراً، أو أشهد مشهداً، إلا ذكرت أثره في نفسي، وما أثار فيها من عاطفة، أو هاج من ذكرى، على ضبط في الأرقام، وتحر في جمع الأخبار، وتوثق من صدق الراوي وخبرته، حتى إذا دنونا من المدينة وأوفى الكتاب على الكمال، وقارب النهاية، امتدت إليه يد لا يعلمها إلا الله فذهبت به، فأيست منه وأهملته، وجعلت لا أكتب شيئاً، ولا أدون خبراً، إلا ما كان في طريق العودة فهو مكتوب عندي، وما كتبت من المقالات في مجلة الرسالة وغيرها.
وعدت إلى دمشق فانغمست في عملي، ثم ضرب الدهر ضرباته فسافرت إلى العراق أولاً وثانياً، وعملت سنة في لبنان أدرس فيها، وحسبتني نسيت الرحلة ونسيها الناس، حتى كان هذا الشهر وحقق الله ما ذهبنا إليه، ورأت دمشق اليوم الموعود، فسافرت أول قافلة من الزوار، وألح على الأصدقاء، وأعادوا الطلب مني أن أنشر وصف تلك الرحلة، فأجبت مكرهاً ونفضت ذهني، فكتبت ما بقي عالقاً به وجعلت غرضي أن أدون ما رأيت وما سمعت، وأسجل ما أحسست به وشعرت، من غير أن أعمد إلى كتاب من كتب التاريخ أو