للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مطالعات في التصوف الإسلامي]

عوارف المعارف. منشأ علوم الصوفية وفضلها

وقفت بك في نهاية الفصل الماضي عند ترجمة موجزة لحياة شهاب الدين السهروردي مؤلف كتاب (عوارف المعارف) وأحب أن أقف بك في هذا الفصل عند الباب الأول والثالث من هذا الكتاب حيث يحدثنا المؤلف عن منشأ علوم الصوفية وعن فضل هذه العلوم وما تمتاز بها على غيرها من فروع المعرفة الإنسانية. ولكني أحب قبل هذا أن أعطيك صورة عامة مقاربة لأبواب هذا الكتاب في جملتها. يقع (عوارف المعارف)، في نيف وستين بابا منها المطول المسهب ومنها المختصر الموجز. وفيها الدقيق المسرف في القوة والدقة. والضعيف المهلهل الذي لا يشتمل على فكرة منظمة ولا منطق منسجم بريط أجزاءه ويلم شعث عناصره. ولكن الكتاب في جملته خصب حقا ممتع نافع حقا. وهو من هذه الناحية أقدر على أن يعطينا صورة قوية شاملة لما احتوى عليه التصوف من وجدانيات وإشارات وأحوال ومقامات. ولعل من أنفع أبوابه وأوفاها هذه الأبواب التي تناول فيها المؤلف بيان منشأ علوم الصوفية وفضلها. وماهية التصوف. وسبب تسميتهم بهذا الاسم وأخلاقهم ومعرفتهم لأنفسهم ومكاشفاتهم في ذلك. وشرح الحال والمقام والفرق بينهما. تلك هي أهم الأبواب وأكثرها حظاً من الدقة والغناء. فلنترك إذا هذا الضرب من الكلام العام لنقف عند الباب الاول الذي أبان فيه المؤلف عن منشأ علوم الصوفية. والباب الثالث الذي أظهرنا فيه على فضل هذه العلوم وذكر نماذج منها

استهل مؤلف (عوارف المعارف) الباب الاول من كتابه بهذا الحديث الشريف: (انما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوماً فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني وإني أنا النذير العريان فالنجاء النجاء. فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا. وكذبت طائفة منهم فاصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم. فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق) ثم عقب على هذا الحديث بحديث آخر هو أبلغ في الدلالة على ما قصد اليه وهذا الحديث هو: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً. فكانت طائفة منها طيبة قبلت الماء فانبتت الكلأ والعشب الكثير. وكانت منها طائفة أخاذات أمسكت الماء فنفع الله

<<  <  ج:
ص:  >  >>