لم يبد خطر الفاشستية على سلام أوربا وسلام العالم كما يبدو اليوم؛ ولقد كان رأينا دائماً أن الفاشستية وما تقوم عليه من مبادئ العنف، وما يحدوها من الأطماع المضطرمة، وما تؤكده بأعمالها وتصريحاتها من احتقار لمبادئ الحق والعدالة الدولية، إنما هي مصدر دائم للشر والخطر على السلام، وبخاصة على الأمم الضعيفة التي تدين بوجودها واستقلالها لمبدأ الحق الطبيعي لا للقوة الغاشمة؛ بيد أن الفاشستية لم تبد من قبل بمثل هذه الجرأة المكشوفة، وهذا التحدي الواضح، وهذا التوثب لارتكاب العدوان والشر، وهذا الاستخفاف بحقوق الشعوب ومصايرها كما تبدو اليوم.
منذ أكثر من عام نظمت إيطاليا اعتداءها المثير على الحبشة، واستطاعت لا بحرب شريفة مشروعة، ولكن بوسائل همجية ممقوتة أن تقهر هذه الأمة المنكودة وأن تضمها لأملاكها، وان تقيم على أنقاض الحريات المغصوبة إمبراطورية استعمارية تصول بها اليوم؛ وفي الصيف الماضي استطاعت الفاشستية الإيطالية وحليفتها النازية الألمانية أن تضرما في أسبانيا نار ثورة مضطرمة، وما زالتا إلى اليوم تمدان العسكرية الثائرة بالسلاح وكل صنوف المعونة، وما زالت أسبانيا تتلظى في جحيم الحرب الأهلية، لأن الفاشستية والنازية تود كل منهما أن تحقق لنفسها ظفراً معنوياً يكون مظهره قيام حكومة طغيان فاشستية في أسبانيا على أنقاض الجمهورية، وظفراً مادياً يقوم بتحقيق بعض المصالح السياسية والعسكرية التي تطمح كل منهما إلى تحقيقها.
وكما أن مسألة البحر الأبيض المتوسط كانت أثناء الاعتداء الإيطالي على الحبشة مثار الخطر والاحتكار المستمر بين إيطاليا وبريطانيا العظمى، فكذلك تثير الحرب الأهلية الأسبانية مسألة البحر الأبيض المتوسط مرة أخرى، وتثيرها بصورة أدق وأوسع نطاقاً وأشد خطراً؛ وقد كانت الأزمة التي أثارت الحرب الحبشية في هذا البحر محلية في نوع ما لأنها كانت تتعلق بشرقية فقط، وتتعلق بالنزاع بين إيطاليا وبريطانيا على السيادة في هذه المياه، ولكن الأزمة التي تثيرها أسبانيا اليوم أزمة عامة شاملة، تتعلق بالتوازن في البحر