بيير فيينو نائب البرلمان الفرنسي ووزير سابق لعب دوراً هاماً في عقد المعاهدة الفرنسية السورية سنة ١٩٣٦. وقد اطلعنا في العدد الأخير من مجلة (السياسة الخارجية) على محاضرة ألقاها عن بلاد الشرق الأدنى آثرنا أن نلخصها في هذه الظروف التي تضطرب فيها سوريا في جحيم من القلق السياسي
لم أختر المعاهدة الفرنسية عنواناً لمحاضرة اليوم، ذلك لأن هذه المعاهدة ليست في ذاتها إلا جزءاً من القضية الكبرى التي تتناول صلتنا بالشرق الأدنى، ونفوذنا فيه، وسياستنا معه، وردود الفعل التي تنبعث عن هذه السياسة في بلاد شمال أفريقية
الانتداب والمعاهدة
لماذا كانت المعاهدة الفرنسية السورية مفاجأة للرأي العام؟
يتجه الرأي العام الفرنسي إلى الاعتقاد بأن فرنسا (تملك) سوريا، ولكنها لا تعاملها كما تعامل المستعمرات. بل إن واجبها أن تقوم على إرشادها والدفاع عنها، ورعاية المصالح الفرنسية فيها
والواقع أنه لا يمكن تطبيق أي لون من ألوان النظم الاستعمارية في بلاد الشرق الأدنى، ولذلك لن أبسط الحديث عن عقم الاستعمار في سوريا، ولا عن ضعف العلاقات الاقتصادية بيننا وبين بلاد الانتداب.
والناحية الجوهرية التي يجب أن ننبه إليها هي أن الاستعمار يوافق الشعوب المتأخرة التي لا تستطيع أن تقوم على إدارة نفسها. فما هو مدى الرقي في بلاد الشرق الأدنى؟
إن نسبة الأميين في لبنان تبلغ ١٦ % وقد ترتفع النسبة في سوريا إلى أكثر من ذلك فتبلغ ٥٠ %، وإلى جانب هذه الطبقة المتعلمة نجد نخبة مختارة أصابت قسطاً وافراً من المعرفة والذكاء والعلم. وامتاز كثيرون منها بالقيام بأعباء الإدارة في الدولة التركية.
إن فكرة الانتداب (١) التي نصت عليها معاهدات ١٩١٩ للبلاد المقتطعة من جسم الدولة العثمانية ليست وهماً، ولكنها تطابق حقيقة اجتماعية واقتصادية وسياسية خاصة بالبلاد المذكورة، وهذه الفكرة تختلف كل الاختلاف عن الحماية، ونستطيع أن نجمل مميزاتها