(إن السلطة المنتدبة هي التي تمارس الحكم لتأمين تطور البلاد تحت الانتداب وتوجيهها نحو الاستقلال)
فالسلطة المنتدبة تشرع وتحكم، ولكن كل غايتها تهذيب الشعب وإرشاده. ومهمة المنتدب أشبه بمهمة الوصي، لأن سلطته محدودة لا تتسع، زائلة لا تدوم
قد لا يرضي تعريف الانتداب على هذا الشكل بعض الناس. وقد تكون ثمة اعتبارات نظرية أخرى، ولكن هذه الاعتبارات تقتصر على وجهة النظر الفرنسية. أما الشعوب الشرقية فإنها ترفض هذه الاعتبارات في إباء وقوة، وتنظر إلى الانتداب على أنه عرض زائل ومهمة مؤقتة تنتهي مع بلوغ سن الرشد
والانتداب يتضمن في ثناياه وعداً بالاستقلال، وقد أثار هذا الوعد انتباه السكان في البلاد، وكان عاملاً في نماء الفكرة الاستقلالية، كما أن الخلاف بين الترك والعرب كان عاملاً آخر من العوامل المهمة في هذا النماء
وفي معرض التدليل على نهضة هذه البلاد يجب أن نذكر الاضطرابات السياسية التي كانت تطغي على سوريا قبل الحرب. . . وألا ننسى أن الشعوب العربية قد حاربت في صفوفنا ضد الأتراك وأن قادة الحركة العربية رفضوا نظام الانتداب منذ ١٩١٩ لأنهم إنما جاهدوا في سبيل الاستقلال والوحدة. . . ويكفي أن نعرض لذكر المليك (فيصل) فقد وجد نفسه بعيداً عن العرش السوري حين حاول أن يقنع القادة بقبول أسس الاتفاق الذي ارتضيناه معه
لعل من الإنصاف ألا نغفل أثر الوطنية المصرية في بلاد الشرق، فقد ولّد انتشار المقاومة السلبية في مصر صعوبات كثيرة اصطدمت بها إدارتنا في سوريا
وقد اتجهت سياسة فرنسا بعد الثورة السورية الكبرى اتجاها شديداً، ونستطيع أن نذكر هنا مجموعة من الوعود التي صدرت عن الحكومة الفرنسية حول هذا الموضوع
ففي سنة ١٩٢٧ أكد مسيو بريان رغبة في فرنسا في أن تبقى أمينة على انتدابها. وفي عهد المفوض السامي مسيو بونسو كانت أولى المحاولات في سبيل عقد معاهدة بين فرنسا وسوريا. وقد تمخضت هذه المحاولات عن معاهدة سنة ٣٣ التي وقعها مسيو دومارتل